نشوان الخرساني نشوان الخرساني
البديل الإسلامي ليس مجرّد بديل سياسي.!!
البديل الإسلامي ليس مجرّد بديل سياسي.!! بقلم /نشوان الخراساني شعار “الإسلام هو الحلّ” ليس المقصود فيه كرسيّ الحكم، المقصود فيه هو كلّ شيء على الإطلاق. القوى السياسيّة العلمانيّة تتعامل مع الإسلاميين على أنهم خصم سياسي، فيما يواجههم الإسلاميون على أنهم خصم حياتي، وهنا يميل الميزان بوضوح لمصلحة الإسلاميين. باستثناء بعض المفكّرين الشجعان وبعض المبادرات المدنيّة المحلّية، لا تجرؤ معظم القوى السياسية على انتقاد الرؤية العقائدية للإسلام في الشؤون الحياتية والسياسية، وتكتفي بالتذمّر من طروحات الإسلاميين من وقت لآخر فيما يعمل الإسلاميون ليل نهار على تغيير المجتمع بالكامل. وهكذا تجري عمليّة الأسلمة على قدم وساق وتتقدّم في كافة شرايين المجتمع فيما القوى العلمانيّة تغرق في النوم ولا تستيقظ إلا حين تصل الأسلمة إلى مراحلها الأخيرة في المجلس النيابي على شكل قانون يتيح تعدّد الزوجات.الخريف الإسلامي بدأ في الواقع منذ عشرات السنوات، واجهته الأنظمة حيناً، وقمعته أحياناً، لكن عمليّة الأسلمة استمرّت حتى باتت جزء طبيعي من المشهد العام وقوّة سياسيّة واجتماعيّة كبرى. لماذا يستغرب البعض إذاً أن تدخل الأسلمة إلى مبنى الحكومة بعد أن دخلت إلى بيوت وقلوب ملايين العرب من المغرب إلى البحرين؟ عمليّة الأسلمة في مجتمعاتنا هي في مرحلة متقدّمة جداً، لم تعد مجرّد طرح، هي شبكات اجتماعيّة ومؤسسات وأحزاب وقنوات تلفزيونية وجمعيّات خيرية وأسلوب حياة وامتداد اجتماعي وطروحات فلسفية وممارسات دينية تعطي الناس معنى وهدف وأمل في عالم يفتقد للمعنى والهدف والأمل!لذلك قلنا أن الإسلاميين ليسوا مجرّد بديل سياسي، بل هم بديل حياتي شامل في زمن مأزوم، في زمن يبحث فيه الجميع عن بوصلة تساعدهم على معرفة الاتجاه الصحيح لحياتهم في عالم تبدو فيه جميع الاتجاهات خاطئة وخطيرة. وهذا ما يجب على العلمانيين أن يدركوه: لا يمكنهم مواجهة طرح حياتي شامل بطرح سياسي محدود. الشيوعيون واليساريون العقائديّون سيدركون فوراً صحّة هذه المقولة، كون الشيوعية طرحت نفسها في الماضي على أنها أسلوب حياة كامل، لكن الطرح الشيوعي جُرّب مئات المرّات وفشل، وهو طرح غير قابل للحياة في الوقت الحالي لأسباب عديدة لا يكفي هذا المقال لمعالجتها. وهنا يبدو الربيع العربي عاملاً إيجابياً في وجه الأسلمة لا العكس؛ فهو أخرج إلى الضوء الواقع الإسلامي الذي كان يختمر لعقود في الظلّ، ووضعه تحت المجهر. الصدمة التي تعاني منها القوى العظمى اليوم جرّاء تقدّم الإسلاميين هي أمر إيجابي لأنها قد تدفع هذه القوى لإدراك حجم المواجهة وإعادة النظر بأساليب عملها واعتماد سياسة أكثر حزماً تجاه زحف الظلاميين. القوى العظمى يمكنها أن تستفيد من واقع أن الإسلاميين سينشغلون بمتاعب الحكم وسيعانون من ارتداداته ولن يستطيعوا الحفاظ على نفس الصورة النقيّة التي عملوا عليها لسنوات. كذلك يبدو سقوط الأنظمة الاستبدادية خطوة في الاتجاه الصحيح، حتى ولو كان الإسلاميّون هم المستفيد الأوّل من ذلك في الوقت الحالي. البعض يعترض على إسقاط الأنظمة لهذا السبب تحديداً، لكن يفوتهم أن الحالة الإسلامية نمت وترعرعت بسبب هذه الأنظمة، وأن سقوط الطاغية يعني إفساح المجال لمواجهة مباشرة ويغذّي الإسلاميين ويقمع الإثنين معاً. إذا ما انتصر في مواجهتهم هذه، سيكون بإمكانهم تحويل الخريف الإسلامي الرابض على قلوب شعوبنا إلى ربيع مليء بالكثير من الألوان والحياة. لكن المسألة كما سبق ، ليست مسألة في مواجهة إسلام سياسي فحسب، بل هي أزمة وجوديّة تطال أسس حضارتنا نفسها وتتطلّب من القوى التي تريد حلاً حقيقياً أن تخرج بنظرة جديدة إلى الحياة والإنسان والعالم، نظرة تستطيع أن تقدّم أفقاً لعالم ما بعد الانهيارات الكبرى. وفي هذا المجال، هنالك تفوّق واضح للطرح الإسلامي في الوقت الحالي. المشكلة الإسلامية تبدو أكثر خطورة حين نفهمها على ضوء السقوط البطيء للحضارة ؛ إن الإسلام السياسي ليس فقط بديل حياتي متكامل، بل هو الإيدولوجيا الأكثر قدرة في الوقت الحالي على التأقلم مع الانهيار القادم.لذلك، هنالك الكثير من العمل بانتظارنا في الأيام والسنوات المقبلة يجب ان نبحث عن حلول لأزمتنا الإنسانية الكبرى. هذا العمل يبدأ أولاً بإيجاد نظرة أو نظرات! جديدة متكاملة للحياة أبعد من الطرح العلماني المحدود وأبعد من طروحات اليسار التراثي، نظرة تستطيع أن تقدّم حلولاً حقيقياً لطريقة العيش والكينونة في القرن الحادي والعشرين. وهنا نعود لننبّه إلى أن “تطويب الثورات” على أنها أمر جيّد بالمطلق يقف في وجه تكوين هكذا نظرة، لأنه يبقي أذهاننا وخططنا أسيرة التفكير الآني الذي يركّز على الأحداث السياسيّة الخارجية والوجوه التي تتناوب على الحكم.النظرة الجديدة التي نسعى لها لا يجب أن تقدّم فقط بديلاً سياسياً أو تشغل نفسها بالنزاع على كرسيّ الحكم، البديل السياسي هو في الواقع آخر طروحاتها. عليها عوضاً عن ذلك أن تقدّم بديلاً حياتياً متكاملاً في كافة المجالات، وه ذا البديل هو الذي سينتج وقعه السياسي في ما بعد. الأسئلة التي يجب أن تنطلق منها النظرة الجديدة لا يجب أن تكون جزئيّة مثل “ما هي أفضل طريقة للحكم”، أو “ما هي أفضل طريقة لتوزيع الثروات”، بل يجب أن تكون أسئلة وجودية أساسية: ما هي الطرق الفضلى للعيش، كأفراد وكجماعات، بشكل متناغم مع الذات، مع الآخرين، مع الأرض ومع المقدّس؟ ما هي الطريقة التي تضمن ألا ترث بناتنا وأبناؤنا مجتمعاً ميتاً وأرض جرداء وروح خاوية؟ حين نبدأ بامتلاك الحدّ الأدنى من الأجوبة على هذه الأسئلة نستطيع أن نقول أن العمل الفعلي قد بدأ. وعندها يمكن للربيع الحقيقي أن يزهّر. وإن الغد لناظره قريب!
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص