منذ أيام انطوى دون أضواء أو أصداء اليوم العالمي للمرأة. هذا الإنسان الصبور والجدير بأسابيع من كل عام لا بيوم واحد، لا لكونه الأم والأخت والابنة والزوجة فحسب، وإنما لكونه وعاء الحياة وصانع بيت الزوجية بامتياز وبلا منافس. وما يغيب أو بالأصح يغيّب في هذا اليوم المكرس للحديث عن المرأة ودورها، وما عانته ولا تزال تعانيه، الإشارة ولو من بعيد إلى معاناة شقيقها الرجل وما عاناه وما يعانيه هو أيضاً في سبيل الحصول على حقوقه المستلبة بوصفه آدمياً من حقه أن يتمتع بحقوقه كافّة، لكي تتمكن رفيقته في الحياة وفي المحنة من أن تتمتع هي الأخرى بحقوقها كافة، فقد أثبت الواقع الإنساني قديماً وحديثاً أن الأزمنة التي لا ينال فيها الرجل حقوقه هي الأزمنة نفسها التي لا تنال فيها المرأة حقوقها.
ومن هذا المنطلق نرى أن حقوق "الإنسان" ، وفي هذه التسمية يدخل الرجل والمرأة، إذا كانت قد تحققت لأحدهما لكانت قد تحققت للآخر. وفي عصور التردي والانحطاط لم تكن أسواق النخاسة وقفاً على النساء فقط بل كانت تشمل الرجال أيضاً، وكان الضحايا من جميع الأجناس بيضاً وسوداً وصفراً، ومن الشرق والغرب ومن الشمال والجنوب. وما تزال تلك الأسواق قائمة وإن تحت مسميات أخرى، وبمواصفات تتناسب مع لغة العصر وتطوراته السياسية والاجتماعية. وهو ما يؤكد أن التطور اقتصر على الشكل ولم يلامس جوهر المشاكل الإنسانية، وفي مقدمتها حقوق الإنسان في العدل والحرية والكرامة، وفي النظر إليه بوصفه إنساناً لا آلة تُباع وتُشرى.
وما يزال الحديث عن المرأة في يومها العالمي، أو في سائر الأيام، يقتصر على الوقوف عند معاناتها هي وحدها في منأى عن معاناة الرجل الذي المحنا في السطور السابقة إلى أنه لو كان قد استعاد حريته وتمكن من نيل حقوقه كاملة لما استمر وضع المرأة على ما هو عليه. وينبغي أن أوضحّ هنا أن الرجل الذي أتحدث عنه هو كل الرجال العاطلين والضائعين الفاقدين لأبسط الحقوق، وهو حق توفير الطعام الذي تجد الغالبية الساحقة مشقة في الحصول عليه. فضلاً عن الحقوق الأخرى التي تعد ترفاً مقابل هذا الحق الذي بدونه لا مكان للحياة ولا وجود للأحياء . والصور التي تلتقطها الكاميرا للباحثين عن بقايا طعام في القمامة ليسوا من النساء فقط بل ومن الرجال أيضاً.
إن تخصيص المرأة بيوم عالمي لمناقشة ظروفها الراهنة والدعوة إلى أنصافها وتمكينها من نيل حقوقها كاملة لا يجوز أن يكون في منأى عن الحديث عن إنصاف الرجل والتمكين له من إثبات وجوده، لا سيما في البلدان المتخلفة والتي يعيش فيها الرجال والنساء حياة خالية من أبسط الحقوق وأقلها شأناً. وما أسوأ تلك الأصوات التي ترتفع في البلدان المتخلفة من غياب الحق الطبيعي للمرأة دون الإشارة إلى وضع الرجال الذين هم بلا حقوق، وتوجيه الاتهام إليهم بالعمل على سلب حرية المرأة، والصمت عن معاناتها، وهي أصواتٌ لا تساعد على نهوض المرأة وأخذ مكانتها اللائقة بها في المجتمع الجديد، وإنما تساعد على إخفاء حقيقة التخلف وما يتركه في واقع الرجال والنساء من إحباط وشعور بالمرارة والجهل، وما يترتب على غياب التعليم الجاد، وما يعاينه مناخ المعرفة من تراجع وانكسار.