د/ جميل سلطان د/ جميل سلطان
بوح الأفكار
فلسفة صغيرة عندما كنت صغيرا في الثامنة أو التاسعة من عمري كنت كثير التأمل والتفكر فيما حولي أحب أن أخلو بنفسي اعمل فكري في كثير مما أرى و أسمع ، لم أكن كغيري من الأطفال الذين ينطلقون دون مبالاة في لعبهم وفي كثير من تصرفاتهم ، كل شيء كان عندي بحساب يسبقني إليه عقلي فيضع له الضوابط والشروط ، لقد كان عقلي قيدا يكبلني و يحول بيني وبين الطفولة في صخبها و مرحها و انطلاقها . كنت إلى الحزن و الانطواء أقرب مني إلى الفرح والسرور والانفتاح ، لقد كان ضحكي محسوبا لا انطلق فيه خوفا من البكاء الذي سيعقبه و فرحي كذلك محسوب خشية الحزن الذي سيأتي - لا محالة - بعده ، بل إن خوفي من هذا الحزن يفسد علي فرحي الذي أعيشه . تلك الأغلال التي كانت تكبلني لم أكن أراها على أصدقائي من الأطفال الذين ألعب معهم . و ذات يوم كنت ألعب مع أصدقائي و جيراني من الأطفال وكنت أسمعهم ينادي بعضهم بعضا بأسمائهم : يا عبدالله ، يا محمد ، يا نجيب ، و لكنهم حين ينادونني لا يذكرون اسمي ، فلا يقولون : يا جميل و إنما ينادونني بقولهم : يا بن سلطان ، و قد حز ذلك في نفسي فداخلني شعور غريب و كأنني لست مثلهم أو واحدا منهم ، فانفردت بنفسي أفكر في هذا الأمر تدور الأسئلة في عقلي ، و تثور المشاعر في قلبي يؤلمني ذلك التجاهل لاسمي و عدم ذكره . لقد أخذت الأسئلة تتوالى : هل كانوا يتجاهلونني ، وهل أنا مختلف عنهم ، أم أن اسمي ليس كأسمائهم ، ويمكن الاستغناء عنه؟ ثم عدت إلى نفسي ألقي عليها الأسئلة بطريقة أخرى . أين هو اسمي الذي أبحث عنه ، وما علاقتي به ، و أين موقعه مني ؟ وهل اسمي هو أنا أم أنه شيء آخر ؟ لكنني - برغم عدم ذكرهم اسمي - موجود بينهم و ألعب معهم ، و هذا يعني أنني لا احتاج إلى هذا الاسم ، وكذلك هم حين يسكتون ولا ينطقون بأسمائهم يكونون موجودين . إذن كل الناس يستطيعون الاستغناء عن أسمائهم . و ماذا سيحدث لو أن الناس جميعا عاشوا من غير أسماء هل في ذلك مشكلة ؟! لكن لماذا يحرص الناس على تسمية الأطفال حين يولدون ، و لماذا يتخيرون لهم الأسماء ، و إذا أصيب الطفل بمرض أو كان كثير البكاء قالوا هذا بسبب الاسم و أنه ثقيل عليه ، فيذهبون إلى فقيه القرية لكي يختار اسما مناسبا عن طريق حساب محدد يتبعه حتى لا يكون الطفل عرضة للأمراض المتواصلة أو البكاء المستمر ، إذن هذا يعني أن الأسماء لها تأثير على أصحابها ، و بناء عليه هل يكون اسمي هو السبب فيما أعاني ؟ إلى غير ذلك من الأسئلة التي كانت تصيبني بالحيرة والقلق . غير أن تلك الأسئلة و تلك المعاناة التي نتجت عنها قد أحسنت إلي - فيما بعد - فقد وضعتني في مواجهة حاسمة مع ذاتي وزرعت في نفسي مشكلة البحث عن الذات و الوعي بحقيقتها ، و أصبحت رحلة البحث عن الذات رحلة طويلة أوقفتني على حقيقتي الخاصة و حقيقة الإنسان بصفة عامة . و أصبحت كلمة ( إنسان ) بالنسبة لي مشكلة فكرية مؤرقة ، و لقد خلصت من ذلك إلى أن كل مشكلات العالم تبدأ بالإنسان و تنتهي به ، فالإنسان هو المشكلة و هو الحل .
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص