من ضمن المجاملات المريحة/الخادعة تبرير التخلف الاجتماعي و الإدمان الجماعي لمخدر القات بالوضع السياسي والاقتصادي والتعليمي داخل اليمن. وبناء على هذه المجاملة فما أن يتغير الوضع سيتغير اليمني و سيدخل عالم الحداثة ويتوقف عن إدمان القات لأنه سيكون مشغولا بنشاطات أهم.
لكن هذه كذبة تسقط أمام الحقائق الواضحة.
انظروا إلى حال الجالية اليمنية في أوروبا وأمريكا واستمرار إدمانها لمخدر القات، وستعرفون ان القضية ليست قضية نظام سياسي فاسد.
حالة الإدمان الجماعي للقات داخل اليمن وخارجة هي تعبير عن خلل عميق داخل الشخصية اليمنية تشده بعيدا عن الحداثة وبعيدا عن العالم وبعيدا عن الإنتاج والإبداع.
خذوا مثلا الجالية اليمنية في شيفيلد-بريطانيا التي تعود هجرتها الى خمسينات القرن الماضي. نحن نتحدث عن اشخاص غادروا البلد قبل 70 عاما، وعن جالية تعيش ضمن واحدة من أرقى الدول سياسيا واقتصاديا و ديمقراطيا. دولة تدعم التعليم المجاني والتطبيب المجاني وحقوق المرأة وابداع الشباب.
ومع ذلك لا زال اليمني-البريطاني يتعاطى القات بشكل شبه يومي، ويحرم أبناءه وبناته من التعليم، ويظل هو أميا مثل ما كان جده أميا، ويحبس أغلب أولاده في سجن الأمية.
وخذوا مثلا الجالية اليمنية في نيويورك وميتشقن التي تعودت هجرتها إلى ستينات القرن الماضي. نحن نتحدث عن هجره عمرها 60 عاما في دوله تتربع على قمة الحداثة والإبداع في العالم….
ومع ذلك لا زالت الجالية تحرم أبناءها وبناتها من التعليم العالي، ولازال حصول فتاة يمنية في امريكا على الثانوية العامة حدثا تاريخيا يتم الاحتفال به و تداوله في وسائل التواصل الاجتماعي!!
إن حاله الإدمان الجماعي، وحاله الأمية التي يغرق في ظلامها أكثر من 70% من السكان، وحالة التقليديه المفرطة الى حد التخلف والرجعية، واستمرار حبس المرأة في البيت، وحرمان الشباب حتى الذكور منهم من حق اختيار مصيرهم…
كل هذه الاشياء لا يمكن تفسيرها بالنظام السياسي الفاسد فقط، أو بالوضع الإقتصادي المتدهور فقط، أو بالحرب المشتعلة فقط، لأنه حتى اليمنيين الذين هاجروا منذ 70 عاما ولم يعودوا يعانون من هذه الأوضاع، لازالوا غارقين في نفس الوضع الاجتماعي والثقافي المتأخر.
هناك خلل عميق داخل الشخصية اليمنية.
خلل يجب مواجهته بشجاعة، وكشفه بوضوح فكري وأخلاقي.
لقد حاولت الكشف عن جانب بسيط من هذا الخلل في عده مقالات بعنوان “الجرح النرجسي اليمني”. لكن ردود الفعل الغاضبة والجارحة التي تحولت إلى شتائم شخصية، وتجريحات عنصرية-طائفية، وحملة منظمة من التشويه والشائعات جعلتني اتوقف.
ستجد اليمني يشكو من استبداد القبيلة والمشائخ في اليمن، لكن اليمني المحمي بالديمقراطية والقانون في أمريكا لم يستطع أن يعيش دون ان يخلق طبقة مشائخ جديدة في بروكلين وديترويت وغيرها. مشائخ يحكمون عليه بالعرف القلبي ويستبدون به ضدا على القانون ، وهو مستقر ومتناغم مع هذا الاستبداد الذي أعاد خلقه بيده.
لا أعمم على كل المهاجرين، فهناك نجاحات باهرة لا يمكن نكرانها.. لكنها أقرب للاستثناء من القاعدة.
هناك خلل عميق داخل الشخصية اليمنية.
سأترك الحديث عنه لمن يستطيع حماية نفسه من الأذى…
إضافة تعليق