مِـــن جديد تعثّـــر الإعلان عن الحكومة اليمينة الجديدة الموالية للسعودية، التي باتت جاهزة، والتي كان مِـن المفترض إعلانها مساء الخميس الماضي ، تلك الحكومة التي ستكون إنفاذ لما ورد في اتفاق الرياض المُـبرم بين الحكومة اليمنية الحالية – التي تتخذ من الرياض مقراً لها- والمجلس الانتقالي الجنوبي، مطلع تشرين الثاني نوفمبر 2019م ،وهي للمرة الأولى التي من المفترض أن يتناصف فيها الشمال والجنوب الحقائب الوزارية منذ غداة انتهاء حرب صيف 1994م التي انتصر فيها الشمال، وفرض من خلالها وحدة يمنية من طرف واحد بمعزلٍ عن مشاركة الجنوب مشاركة فعلية،عدا مشاركة افتراضية شكلية. ألقتْ تلك الحرب بظِــلالها الكئيبة على كل الصُــعد والمجالات وفاقمتْ من سوء الحال باليمن، ناهيك عمّـا ضرب صميم النفوس من ضغائن وجراح ما تزال غائرة حتى اليوم، زادت الحرب الأخيرة، (2015 م) التي قادتها المملكة السعودية من تعميق الخلافات والضغائن، وسكب الملح فوق جراحها الملتهبة، لتذهب على إثرها اليمن -شمالا وجنوبا- صوب المجهول والتفتيت.
– تأتي هذه الحكومة المنتظرة التي باتت جاهزة ولم يعق إعلانها سواء شروط الساعة الأخيرة التي وضعتها سلطة الرئيس هادي وحزب الإصلاح( فرع إخوان اليمن) المهيمن على تلك السلطة وعلى المؤسسة الرئاسية والرئيس ذاته .. نقول تأتي تلك الحكومة المنتظرة والتي أشرفت على تشكيلها السعودية إشرافا مطلقا وهندستها وفقا لمقتضيات مصلحتها في وقت تعصف باليمن شماله وجنوبه ظروف غاية بالسوءِ والخطورة، في المجال الانساني خاصة ،كمحاولة سعودية أخيرة لرأب الصدع الخطير الذي ضربَ معسكرها ( حلفائها المحليين) بالشهور الأخيرة، بعد أن وصل الخلاف بين قُــطبي هذا المعسكر: الحكومة الموالية للرياض والمجلس الانتقالي الجنوبي، الى درجة الصراع العسكري الدامي، وشكّــل هذا الصراع وما زال تحدّياً مصيريا للسعودية، ليس فقط لمستقبل حربها المتعثرة باليمن، بل لمستقبل وجودها بهذا البلد الجار الذي تُــكّرس فيه وجودها السياسي والعسكري والاجتماعي والقبلي، وتفتش فيه عن مصالحها الاقتصادية وتطلعاتها المثيرة للجدل، وتنفيذ رغبتها في إطلالة نفطية عبر أراضي وصحاري وموانئ محافظتَــي: المهرة وحضرموت، وبسط وترسيخ نفوذها على الأرض بواسطة كسب مواقف بعض الرموز القبلية والدينية ،وشراء ولاءات اجتماعية بمعزلٍ عن الجهات الرسمية.
– وبرغم ما تمثّــله هذه الحكومة من بارقة أمل للسعودية وشركائها للخروج من هذا النفق المظلم الذي دخلت فيه السعودية وشركائها بالجنوب اليمني منذ غداة الإعلان عن المجلس الانتقالي الجنوبي الطامح لاستعادة دولة الجنوب السابقة، ولحقن الدماء النازفة بغزارة، وترميم ما تصدع بالسنوات الماضية من جدران عامل الثقة المتآكل أصلا بين هؤلاء الشركاء، إلّا أن الآمال المعقودة عليها( الحكومة) للخروج من هذه الدوامة آمالاً متواضعة للغالية، فبذور الفشل كامنة داخلها، ليس فقط بسبب غياب عامل الثقة بين طرفي الصراع : الحكومة والجنوبيين، وكذا بينهما من جهة – كلٍ على حِــدة- وبين السعودية من جهة أخرى، بل بسبب تعقيدات الأزمة اليمنية وعمق الخلافات السياسية والاجتماعية والفكرية بين الأطراف اليمينة، وتغول الولاء وارتهان جميع القوى والنخب السياسية للخارج وتوغل هذا التدخل بكل مفاصل اليمن شمالا وجنوبي بشكل مريع وموحش ، ضف الى أن هذه الحكومة سيتكون هجين من مشاريع سياسية وفكرية متصادمة ، ناهيك عما يعمله المال السياسي القادم من الجوار من فساد وعبث وتخريب مهول بكل الجهات، طال وطاول كل مناح الحياة وأولها السياسية، فضلا عن تردي الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والصحية والمعيشية واقتراب البلاد من مماس دائرة المجاعة الحقيقية بحسب التقارير الأممية، علاوة على احتدام الخلاف الصامت بين السعودية الإمارات بالشأن اليمني وما يمثله من حالة استقطاب وتحريض متبادل ،نراه يكبر يوما إثر يوم ككرة ثلج تتدحرج فوق رؤوس الجميع. كل هذه التحديات وغيرها كافية لإفشال عمل هذه الحكومة والعودة بها وبالأوضاع إلى نقطة الصفر إن لم نر معجزة سياسية في زمن اللامعجزات، وهو الأمر الذي يدركه كثيرا من المراقبين بالشأن اليمن, فمبلغ التفاؤل لديهم هو أن تنجح هذه الحكومة في نزع فتيل الصراع وفض الاشتباكات المسلحة الدامية بين الشركاء الأعداء، ونقله من ميدان العسكر الى أروقة الساسة، وانتشال الأوضاع المعيشية، أو كبح اندفاعة تدهوره.
الخط الساخن
-وحتى لو تحققت لهذه الحكومة فرصة النجاح والبقاء- والتي نتمنى أن يمضي الجميع شمالا وجنوبا وفي كل بقاع العالم العربي الى مرافئ الاستقرار والتعايش- إلّا أن هذا النجاح لا يعدو للسعودية أكثر من نجاح جزئيا يتم بين أطراف هي أصلا تتخندق في خندق واحد وتستظل تحت مظلة واحدة اسمها التحالف والشرعية- فالنجاح الحقيقي والمفصلي للسعودية ولشركائها المحليين سواء أكان عسكريا أو سياسيا هو مع القوى اليمنية الفاعلة على الجانب الآخر، ونعني هنا مع (حركة أنصار الله ) الحوثيين والقوى المتحالفة معها في سلطة الحكم في صنعاء, التي أتت السعودية لهزيمتها وإعادة مَـن تسميها بالشرعية الى سدة الحكم في صنعاء،باسم عاصفة الحزم التي فشلت حتى الساعة بتحقيق أياً من أهدافها المعلنة، خلا الأهداف ( الأطماع) السعودية الغير مُعلنة التي لا تخطئها عين الناظر، من محافظة المهرة شرقا حتى محافظة الحُـديدة غربا مرورا بمدينة وميناء عدن الحيويين ومضيق باب المندب الاستراتيجي.
إضافة تعليق