استيقاظ الشعوب أم عصر الانهيارات..!!
بقلم /نشوان الخراساني
خلال العام الماضي، لم تقتصر التغيّرات السياسيّة على العالم العربي، هنالك نحو 125 دولة في العالم شهدت تظاهرات واحتجاجات تطالب بإصلاح أو إسقاط الأنظمة السياسية. للحظة، بدا وكأن العالم بأجمعه على شفير ثورة عالمية شاملة، وهذا بالفعل ما آمن وبشّر به آلاف الناشطين حول الكوكب. الغالبية الساحقة من المحلّلين والناشطين يحتفلون اليوم بـ”استيقاظ الشعوب” وبـ”الفجر الآتي” ويبشّرون بيوتوبيا مقبلة علينا، والبعض يغرق في تبنّي نظريات المؤامرة، لكن هل هذا فعلاً ما يحصل؟ لا نعتقد ذلك.
نظريات “استيقاظ الشعوب” و”المؤامرة” تفشل حتى الآن في تقديم تفسير مقنع حول أسباب وتوقيت كل هذه الانتفاضات. البعض يردّ الأسباب إلى الانترنت وتقنيّات الاتصّال المتطوّرة، والبعض الآخر يتحدّث بعبارات غامضة عن “الوعي السياسي” أو “اللحظة المناسبة”، وقلّة تتحدّث عن الأزمة الاقتصادية الصامتة التي تلقي بثقلها على العمليّة السياسيّة. الإجابة الأخيرة هي الوحيدة التي تحمل في طيّاتها القليل من الصحّة. رغم أن حدوث انتفاضات شعبيّة هو أمر إيجابي، إلا أن وصفها بالثورة العالمية لا يعبّر عن حقيقة ما يحصل: ما يحدث هو انهيار عالمي، لا ثورة عالميّة.
السقوط البطيء لحضارتنا الصناعيّة أمر سبق وتحدّثنا عنه في عدّة مقالات، ومن المفيد إعادة التذكير به هنا. مجتمعنا المعاصر يقوم على شبكة متطوّرة جداً من الطاقة المرتكزة على النفط والتي تغذّي كل شيء نقوم به؛ نحن نستعمل هذه الطاقة لنزرع الطعام، لنبرّده، لننقله ونعلّبه، نستعملها لصناعة الملابس والأثاث والأدوية والسيارات والكمبيوترات، نستعملها لبناء المدن والمباني ولصيانة الصرف الصحّي وإنشاء الطرقات، نستعملها للإضاءة والتدفئة والانتقال من طابق لآخر ومن مدينة لأخرى، ونستعملها للاتصال ببعضنا البعض والترفيه ولتحريك الجيوش ونقل الأموال والبضائع. نستعملها في كلّ شيء نقوم به، كل يوم، كل لحظة. كل نمط حياتنا، حكوماتنا، اقتصادنا وتفاصيل حياتنا اليومية، كلها ترتكز على عامل خفي لا نراه أو نشعر به هو الطاقة. وهذه الطاقة تأتي بمعظمها من الوقود الأحفوري، أي النفط، الغاز، والفحم. وهذه الموارد اليوم تعيش أزمة بنيوية غير مسبوقة لا يمكّن حلّها بأي وسيلة سياسية لأن أسبابها هي بكلّ بساطة جيولوجيّة وفيزيائية.
لقد نمى العالم وتطوّر لدرجة أنه يحتاج لطاقة أكثر مما يمكن للأرض أن تقدّم له. وتآكل القوّة السياسيّة للحكومة وعجزها عن أداء دورها الاجتماعي. هذه كلّها عناصر كافية لإشعال أزمة سياسيّة طويلة الأمد ودفع الشعوب للثورة، اعتقاداً منها أن الحلّ هو في تغيير شكل النظام القائم.
حين نتفحّص الوقائع والأرقام يبدو لنا بوضوح أن موجة الاحتجاجات السياسية حول العالم هي قبل كلّ شيء ردّة فعل على الأزمة في الأنظمة التي لا تستطيع استيعاب الحراك السياسي، أتت الاحتجاجات على شكل ثورة، لكن السبب يبقى ذاته . وحين اندلعت الثورة بعد خمس سنوات، كان النظام عجوزاً ومنهكاً ومفلساً.من المهم أن نفهم هذه الأسباب لكي نتجنّب مطبّ توقّع تحسّن كل شيء بعد الثورات؛ المشكلة الحقيقية التي تقف خلف الثورات لا يمكن حلّها عبر تغيير الأنظمة السياسيّة فحسب. صحيح أن الديمقراطية أفضل من الديكتاتورية،
“الديمقراطية لا تستطيع تحويل رمال الصحراء إلى تراب يُزرع، ولا الصحف الحرّة أو المدوّنات إلى وجبة طعام، ولا تستطيع استخراج النفط من الآبار بعد نفاذها”.
هذه المعطيات كافية ربّما لتغيّر نظرتنا حول الربيع العربي: المشكلة ليست في الأنظمة الديكتاتورية فحسب، بل هي أعمق من ذلك بكثير، والحلّ لا يمكن أن يكون عبر مجرّد ثورة، بل يقتضي أن نعيد النظر أولاً بكل شيء نعرفه عن بنية حضارتنا ومستقبلها وبأن نبتكر ثانياً حلول قادرة على التعامل مع السقوط البطيء للعالم الصناعي على كلّ المستويات، الطاقوية، الغذائية، الاجتماعية، السياسيّة، الاقتصاديّة، والروحيّة. تبعاً لذلك، يجب أن ننظر بشكل مختلف تماماً إلى السؤال الذي طرحناه في العنوان حول ما إذا كانت الثورات ربيعاً عربياً أم خريف إسلامي.
الحلّ الإسلامي ليس مجرّد بديل سياسي
من الطبيعي أن تكون القوى الإسلامية البديل الأقوى عن النظام في الفترة الأولى بعد سقوطه، كونها أكبر قوّة سياسيّة واجتماعيّة في معظم الدول العربية. صحيح أن القوى المدنيّة والعلمانيّة والأهليّة غير الإسلامية كانت العامود الفقري للثورات (في بدايتها على الأقل)، إلا أنها في حالتها الراهنة غير قادرة على منافسة الإسلاميين الأكثر تنظيماً وتمويلاً وإصراراً.ارتباك التيارات اليسارية والعلمانيّة في كيفيّة التعامل مع القوى الإسلاميّة يعود إلى سوء فهمها لأمر أساسي جداً.
إضافة تعليق