✒ *النقد الأدبي* ✒
*جسور وشروخ* .......
*وجهة نظر .
✍بقلم / مروان المخلافيِ
1/1/2018م.
📝النقد وظيفة تقوم على سبر الأغوار ، واستكناه المنظور والمطمور بين السطور ،والغوص عميقاً لقراءة ماورائها بانضباط واقتدار ، سعياً لإماطة اللثام ، وإزاحة الستار عن مكنونات لم يكن ليلتفت إليها الأديب ، ولم تدر في خلده ، أو تنقدح في خاطره وفكره ووجدانه ، والنقد ومعطياته ونتائجه وما يتم التوصل إليه لا يختمر ويتشكل لدىمتأمل وفاحص إلا إذا كان كثير الدربة والمران، فلاشيئ غير النقد الأدبي المضطلع بمهمة نبش وإبراز جوانب الجمال والإبداع في النصوص ، وتفحص تلك الجوانب الصياغية التي لم يوفق الكاتب لها من وجهة نظر الناقد ، الأمر الذي يستدعي أن يكون الناقد مضطلعاً إلى حد ما _في أقل الأحوال _بمهام النقد، ومتمكناً من أدواته اللغوية التي من شأنها جعل سيره حميداً وغير متعثر في السياق العام لقراءة النصوص.
✍ومما شك فيه ونحن نتحدث عن النقد الأدبي بأن النقد الهادف البناء الذي يحمل في طياته الكثير من الإشارات المحسوبة للكاتب أو عليه فإن الأهم من ذلك كله أن لا تكون القراءة النقدية طافحة بكيل المديح ، وتدبيج المجاملات لاستمالة هذا الشاعر أو غيره من الكتاب على حساب المعايير العلمية والأكاديمية فهذا لا ولن يخدم الشاعر مطلقاً إن بنيت دراسة الناقد على ملاحظة جوانب الجمال وإضفائه على كامل النص ،خاصة إذا كان النقد عميقاً بلا تكلف ، وفاحصاً لمكامن العثرات بكفٍ لينة ، وتشبه عملية النقد هذه تماماً وخز الإبر حين يمارسها إنسان ماهراً لا يشعر المصاب بوقعها على جلده .
✍ولا بد هنا من رفض النقد إن مارسه ناقدٌ بغية المديح فقط ، ففي ذلك تزوير للواقع بغض النظر عن قوة النص وجماله ، ومثله من يمارس النقد دون التمكن من أدواته ومتطلباته حتى يصير موضوعياً بنظر المنقودين والمتلقين لنقده ، وهنا تأتي شواهد موضوعنا الذي وصفنا فيه النقد بأنه قد يكون جسوراً يمدها الناقد بنقده الذي توافرت فيه معايير النقد الحقيقية والمعتبرة، وقد يكون النقد بأسلوبه الغليظ والقاسي والمتعجرف و الذي لا يراعي أمور من الضرورة بمكان معرفتها أبسطها الموضوعية، فإنه يترك في هذه الحالة شرخاً وشروخاً في نفوس الكتاب قد تجعلهم من قسوتها يغادرون مربع الأدب ، فكل أديب يرفض الذي يمجده ويرفعه نحو السماء وهو لا يستحق ذلك ، ويرفض في الوقت ذاته الذي يحبطه ويجعله بنقده الهادم ان يكره الكتابة.
✍وإذا اقتنعنا بأن النقد قد يكون جسراً يمتد بعيداً أو شرخاً باقٍ في توسع دائم لابد من أن يكون النقد نقداً نتعلم من خلاله وبكل موضوعية كيفية استخراج أخطائنا وتصحيحها ، باعتبار النقد الهادف فن جميل يأخذ بأيدينا للرقي والتقدم .
✍ومما لابد معرفته لدى النقاد من ذوي الإفاضة والاستفاضة في التعرض للنصوص والوقوع عليها أن أي كاتب بفطرته يرفض أن يكون سلم صعود لناقد أراد إظهار قدراته عبره ، وخاصة إذا كان هذا الناقد مصاب بالخرس في التوقف عند إيجابيات النص ،ومواطن إبداعه ، يمر عليها مرور الكرام دون أن ينبس ببنة شفة ، وقد كتبه صاحبه بدماء أفكاره ، لذا وجب الإقرار بأنه وأبداً لن نرى ارتقاءً في النصوص الأدبية بدون النقد البناء ،وكذلك لن ترتقي بكثرة الملق والمديح الزائد عن حده ،وخير الأمور أوسطها إذا عرف كل ناقد حقيقة ما أنيط به من وظيفة النقد في إثراء النصوص وإزالة الستار على تلك الروائع والجماليات، وكذلك الملاحظات والعثرات التي ستزخر بها النصوص ، وكم نتمنى أن يكون النقد من قبل أهل الاختصاص ،وليس معنى هذا ألا نتقبل أراء الغير ، فللأسف ليس كل ناقد يستحق وبصدق كلمة ناقد،مع كامل احترامناللكثير من النقاد الذين _ وبأمانة_ كانوا عند المستوى ، وعلى قدر المسئولية ، وبعيداً عن هؤلاء النقاد الذين يأتون إليك بعصاً تدمرك وتنزلك أرضا ، ولذلك وجدنا بعض النقاد مع بعض الأسماء يصفقون ولا يظهرون عجز نصوصهم ولا عيوبها، وبنفس الوقت وحتى يوهمون الآخرين بأنهم متوازنون يحاولون تقزيم الآخرين وإن كانوا صغاراً بين أقوام الشعراء والكتاب لقصر تجربتهم العمرية،وكم هي النصوص التي تزاحمت حولها ردود الإعجاب بالرغم من تخمتها الطافحة بالأخطاء،وبالمقابل كم من نص غمط صاحبه حقاً فقط لأنه ناشئ ، وما علم الناقد أن كلمة بسيطة ولكنها ذات مضمونٍ عميق ، وذات مدلول دقيق ، إما أن يبعث الحياة لروح الكاتب،أو أن يتركه في الحضيض يقاسي مرارة التشتت الفكري ، والعقد النفسية التي ستصاحبة كلما حاول أن يمسك بالقلم.
✍متى يدرك بعض النقاد بأن النقد عندما يأتي بصورة تُحفز الكاتب لأن يُبدع في المرات القادمة ، فإن ذلك الشيء الجميل بالفعل ، أما عندمـا يتخلله شيء من العنجهية وسوء أختيار الكلمات فهذا ما لا يحبذ ،
فكم من النُقاد أساؤوا في نقدهم للغير والنتيجة كانت مُخيبة للأمال ،فيطفوا على السطح شيئ من الفوضى بدءاً من جودة النصوص وانتهاءاً بغياب الناقد المتخصص والمنصف.
✍وباعتقادي فإن تصنيف الكتاب والأدباء أهم ما يجب معرفته فهناك الكاتب المتمرس المعروف بالمعتق الممتد سجله العمري في عالم الكتابة لعشرات السنوات ، وهذه الفئة وجب التعامل معها بروح المعايير النقدية والعلمية التي لا تستثني أي لفظاً أساء للبناء اللغوي لقصائده ويعود ذلك للمكانة التي وصل إليها هذا الكاتب الذي لن يجد نفسه إلا في قوة الصرامه التي يجب التعامل معه في نصوصه، وهناك الناشئ الذي بدأ إبداعه يتشكل ويختمر لقلة فترته التي بدأ فيها بمزاولة شعره وأدبه ، هذا الصنف يجب التعامل معه بحذر شديد خوفاٌ من عدة أمور :
أولها : المجاملة الزائدة ستجعله في موضع الغرور .
ثانياً: الشدة والغلظة في نقده قد يكون مدعاة لنفوره من الكتابة التي بدأ في مد رجليه لعالمها.
ثالثاً: جدوىالتوسط في لغة نقده التي ينبغي أن تكون وسطاً بين ذلك حفاظاً عليه كمشروع طموح في عالم الكتابة ، ولتحفيزه في الاستمرار فلربما يصبح فعلا مشروع كاتب أو شاعر مستقبلاً.
وبين هاذين فئة من الأدباء شامخون ومتعثرون _ هؤلاء كما هو معلوم يتم التعامل معهم بما يستدعيه مقام النقد ، وبمتطلبات المعيارية تارة ، وبالعفوية وعدم رة أخرى ، ولكن دون صرامة أو شدة أو صنع ، وبذلك يستطيع الكاتب تدارك مواطن ارتفاعه وإخفاقه ومعرفتها على نحو جميل .
✍ ومن جملة المادحين لنصوص الآخرين من الشعراء والأدباء من يركز على جمال النص ويكتب رداً جميلا كنوع من تحفيز وتكريم للكاتب ويترك النقد لأهل الاختصاص هروباً منه في مواجهة الهنات التي قد يقع فيها الشاعر هذا أو ذاك لبعض الإعتبارات التي قد تكون شخصية أياً كانت في بعض الأحيان ، والاختلاف حاصل عند هذه النقطة ، وقد يعود ذلك_ كما هو واقع الحال _ للطبع الذي درج عليه هذا الناقد أو ذاك قناعة منهم بأن هذا الأسلوب أكثر مدعاة لبقاء الينابيع الشعرية متدفقة على الدوام ، وقد يعود ذلك لطبع الناقد القائم على اليسر والسهولة حتى لا يتبعثر الشعر هنا وهناك دون الإلتفات إليه .
✍ويقودني هذا الحديث عن النقاد الذين قد يكون منهم الناقد الأمين الذي يترك ملاحظاته ونقده بأمانة وبحذر شديد وبأسلوب حضاري ، ومنهم على عكس هذا ذلك المدمر والمتغطرس الذي ينطلق من مواقع إبراز العظلات ، ومحاولة إثبات الذات من خلال المثل القائل " ياأرض اشتدي فما عليك قدي " بداعي الحفاظ على الأدب ،فيأتي نقده على هيئة طلقات نارية قد تدمر الشاعر وترديه قتيلاً بين قوافيه.
✍وأمثال هؤلاء من النقاد عليهم أولاً معرفة أن هناك من الكتاب من هو محب وشغوف لمعرفة كل ما يتعلق بعالم الأدب فنجده يقبل النقد حتى من عضو مبتدئ أو عادي فضلاً عن هذه العقلية النقدية المتغطرسة،
ومنهم كاتب متغطرس _ ربما _ يشبهه في منهج نقده ،أو ربما يكون حساساً جداً ينظر الى كل من ينتقده بأنه عدوه اللدود ، وبأنه متحامل على أدبه لرفعته وقدحه العالي .
✍ووجب القول في وسط هذه المعمة أنه وفي ظل وجود مثل هذه العقليات والنفسيات المتعددة والمتنوعة من الكُتاب والمتلقين صعب جداً وضع قدمك على بساط النقد أو ترك أي ملاحظة في أي نص
كما أنك لا تستطيع أن تقبل النقد من عضو ينظر إليك بـإحتقار وازدراء ، واًيضاً ليس كل من يمدح يكون متملقاً أو مطبلاً ، فقد يكون مقصده نبيلاً وأطهر من ماء السماء .
✍لا ننسى بأن الأدب كممارسه نثرية وشعرية قد انفتح عليه الكثير ممن وجدوا أنفسهم شغوفين بالكتابة ، والسؤال ؟ هل يصلح مع هذا السيل العارم من الأدباء _ متخصصين وممارسين هواية_ أن يكون النقد سائراً بمعناه الشديد ، مثلما حدث منذ المجالس الأدبية العربية القديمة ..
ويحدث أيضا في بعض الأحيان عندما يقول ناقد ليبي وهو صادق النيهوم في تقديمه مجموعة شعرية لشاعر ليبي كبير وهو علي الفزاني : " إن شعرك كله كان في مرحلة إعداد " في مجموعته الأولى رحلة الضياع ، هل ترون رجاحة ورصانة هذا التعامل النقدي
مع أديب مثل الفزاني ، علماً بأن وهذا يحدث أيضا في المجالات المسابقاتيه مثل برنامج أمير الشعراء كما هو الخال عند الدكتور علي بن تميم.حين يقول عن قصيدة فازت بالبيرق أنها ليست أكثر من احتفائية وبسيطة متواضعة ، قد يقول قائل أن ذلك قد تكون الطريقة الأنجع لأن يفيد منها المبدع ، وقد يخالف البعض لحدة الأسلوب النقدي غير المثمر .
✍لكن وبالمجمل يبقى الناقد بين فكي كماشة إما أن يراعي الشخص أو أن يراعي الأدب ، لا منطقة وسطى بينهما.
✍ ولا يجب إغفال حقيقة في عالم النقد لا يختلف عليها اثنان ، أو ينتطح عليها عنزان ، وهي اختلاف النقاد في طرائق عرضهم ، لأن النقد إبداع من نوع آخر ،وكل له وجهته ،والناقد ليس على حق دائما ، لكن في هذا الجانب أنا مع التشدد المرن الناظر بعين الحكمة لطبيعة النص وكاتبه ، وعلى الكاتب والناقد أن يكونا مستعدين على حد سواء لتحمل الأمر ، فهذا من تبعات العمل الإبداعي
، فما أجمل النقد الذي يراعي نفسية المتلقي ببعض الثناء والتحفيز على المجهود المبذول بداية عند أصحاب البواكير الشعرية ،
وإن كان هنالك من ملاحظات على النص يكون أسلوب كاتبها راقٍ جداً بحيث لا يجعل المتلقي يشعر بالخجل ويقتل في داخلة ملكة الأبداع والموهبة _ وحديثي عن الذين لم يتمرسوا على الكتابة _ وإنما يكون بأسلوبه قد حفز المتلقي هذا إلى تعديل النص وتجنب الهفوات في النصوص القادمة ، وهذه غاية من غايات الأدل أن يكون النقد موجهاً لصقل الموهبة واستمرار صاحبها فيها .
✍ولا شك بأن النقد الباذخ يحتاجُ إلـى وقفات كبيرة لا سيما ما يُحيط بالكاتب من إحباط في كتابة نُصوص أخرى وما يتخلل ذلك من الإنكسار في الكتابة وفي إلجام قلمه ،وكبح جماحه رُبما للأبد.
✍ ولا نريد بهذا حصر النقد بزاوية أبداً ، بل النقد الأدبي في كلّ مكان لا يمكن حكرُه على زاوية من الزوايا لطالما القاريء يستطيع قراءةِ النص الأدبي مهما يكن فهناك يتحلى الناقد بشيء من النظرات لتلك النصوص ،فلا يوجد نص خالٍ من مواطن الجمال والقوة بجانب عدم خلوه من مواطن تعثر بمستويات متفاوته .
✍وفي حديثي عن النقد الأدبي من خلال هذه المشاهدات لا أنسى الحديث عن أهمية النقد وضرورة تفعيله بالطريق السليمة لبناء منبر أدبي سليم الأركان بالنسبة للصوالين الأدبية ،بعيداً عن الفروق النقدية المبسطة والأكاديمية،فقد يكون.جمال النقد في وجهات النظر الإنطباعية عن النصوص وغيرها من النقاط فمنبر أدبي دون نقد وإن كان مبسطاً هو منبر لا يمكن من خلاله صناعة أقلام صلبة قادرة على دخول معترك الساحة الأدبية .
✍ وفيما يخص الصوالين الأدبية ، والجروبات الأدبية قد تكمن المشكلة العويصة في ندرة النصوص الشعرية والنثرية المتكاملة... فعلى سبيل المثال الكثير من النصوص الشعرية التي تُطرح غير مكتملة الجوانب الفنية الأساسية ، وباعتقادي فإن الناقد الرصين من لا يستطيع الدخول في نقاش عميق حول الصور الشعرية واللغة والتراكيب الفنية المتقدمة فيكتفي بالإشارة إلى مواضع الخلل مع التشجيع تماشياً مع المرحلة العمرية للقلم ، فنحن عندما نتحدث عن النقد لا نتحدث عن وزن وقافية فقط بل عن أمور فنية أكثر عمقاً من صور وخيال ووحدة عضوية وموضوعية وأبتكار ومفردات وتناغم موسيقي للجرسيين وموسيقى داخلية وخارجية ألخ .
✍وأستميح القارئ التأكيد على مشكله طرقتها في بداية حديثي والمتمثلة في غياب مفهوم النقد وطغيان جو المجاملات والردود السطحية على مافيها من ثقافة متأصلة في عقول البعض ، وكم أتمنى كغيري أن يتم السعي بجهد حثيث لإستئصالها من خلال عقد ورشة أدبية تتطوع لها بعض الأقلام للمساهمة في إثراء المجال النقدي وإن اعترض على ذلك كل من تم إنتقاد نصوصهم ، وبمعنى آخر أن بعض الأقلام تعارض قيام مثل هذه الورش التقيمية بشدة ولا ترغب به، ولا يعنيها أن ترتقي بمستوى كتاباتها معتبرين الكتابة متنفس عن مكنونات الروح فقط ، والموضوع بحاجة لتضافر الجهود من الشعراء والكتاب، ومن لديهم القدرة الأدبية على النقد أو على أقل تقدير تمييز ما أعوج في النصوص الأدبية ، فهذه المهمة تحتاج للدراية والمعرفة ومن لديهم المقدرة للأسف الشديد غائبون عن المشهد ربما للسبب الأول آنف الذكر .
✍قد لا نكون بحاجة للنقد الأكاديمي المتخصص بعكس ماذهبت إليه في بداية حديثي في الصالونات والجروبات الأدبية ، بقدر حاجتنا إلى خلق بيئة نقاش حرة وأن يصبح لدى الأقلام المتحققة الجرأة على إبداء وجهات النظر الإنطباعية عن النصوص ،ولكن إن كانت ردود الأقلام والنقاد أنفسهم مقتضبة وعابرة وتنم عن عدم قراءة لبعض النصوص فعلى من يقع اللوم بالله عليكم .
✍إن النقد باعتباره النقد الاضطلاع بإيجاد الخلل ومن ثم دفعه لصاحب االنص في أسلوب لبق وراقٍ مميز ، يجعل الكاتب وبتقدير وامتنان يرى أن المرور الذي قام به هذا الشخص والرد الذي خلّفه يُعد إضافة للموضوع ،ويكون في ذات الوقت دافعـاً للكـاتب لبذل الأجمل ومحاولة كشف مكامن الخلل في نصه السابق وتجاوز الأخطآء التي وقع فيها ، وتكمن عند هذه النقطة النقد الجآد ، والتناول المحترم للنصوص التي تترك أثرها في المتلقي للبقاء في المكان الأجمل بين الشعراء والكتاب .
إضافة تعليق