لقد عُني المفكرون الكبار بالعقل العربي و تناولوه بالدراسات و البحوث العلمية الناقدة ، و بوجهات نظر متنوعة هادفين من وراء ذلك إلى تحديد المشكلات التي يعانيها و تقديم الحلول لها.
و قد كنت إلى وقت قريب أقول معهم بأن مشكلة الإنسان العربي تكمن في عقله ، أو في طريقة تعقُّله لذاته و للكون الذي يعيش فيه بمن فيه و بما فيه . ثم ما تشكل لديه بسبب ذلك من رؤى فكرية و ممارسات عملية.
غير أن واقع العالم العربي اليوم و ما يجري فيه من الأحداث جعلني أعيد النظر متفكرا متأملا في المشكلات التي يعانيها الإنسان العربي في هذا العصر آخذا في الاعتبار المعطيات الواقعية التي تخطها يد الحرب الآثمة على صفحات حياتنا ، فتبين لي أن مشكلة الإنسان العربي لم تعد مشكلة عقلية وحسب ، و إنما هي أوسع من ذلك و أعمق ، إنها مشكلة عامة تشمل العقل و الوجدان معاً . و بما أن القلب هو الجامع للعقل و الوجدان ؛ لأنه هو الذي يقوم بعملية التعقل كما يقوم بعملية الإحساس والشعور ( الوجدان ) فإن المشكلة تصبح مشكلة قلبية ، ولذلك يكون الوصف الصادق لما يعانيه الإنسان العربي في هذا العصر هو أنه يعاني أزمة قلبية حادة تتجلى في مظهرين :
الأول - هو عدم قدرته على التعقل السليم الذي يعقل الأشياء عقلا صحيحا و يفهمها فهما جيدا حسنا و يفقهها فقها مستوعبا ناضجا يضع الأمور في نصابها ، ويتصدى لحل المشكلات بوعي وإدراك منطلقا من شعور كبير بمسئوليته و باعث حي من ضميره .
الثاني - فقدانه للمشاعر الوثابة و الأحاسيس الحارة التي تدفع إلى الانفعال بما يجري حوله من الأحداث متخذا المواقف المناسبة إزاءها .
لذلك تجده بارد الاحساس متجمد الشعور لا تحركة المصائب المهولة التي تجري أمام عينيه ، فلا ينفعل لهذه الأرواح المظلومة التي تحصدها رحى الحرب المأساوية المدمرة ليلا و نهارا. ولا تهزه هذه الدماء البريئة التي تسيل كالأنهار .
و جملة القول إن الإنسان العربي في عصرنا هذاأصبح جسدا ماديا خاويا لاقلب له يعقل به أو يشعر .
إننا بحاجة ماسة لدراسات ناقدة جادة تتناول القلب العربي و مشكلاته الراهنة الكثيرة المعقدة .
إضافة تعليق