موقع صحيفة ’’إندبندنت’’ الالكتروني الضوء على قصر ’’دار الحجر’’ اليمني الذي شيّد على أنقاض قصر سبئي قديم عرف بحصن ’’ذي سيدان’’ بناه الحميريون قبل خمسة آلاف عام (عام 3000 قبل الميلاد).
و تناولت الصحيفة الالكترونية مشاهد تاريخ هذا المعلم العريق في تقرير يعيد نشره “ السلام نيوز ” كما ورد:
’’دار الحجر’’ اليمني جذور في الصخر تعانق السماء.. شيّد على أنقاض قصر سبئي قديم عرف بحصن “ذي سيدان” بناه الحميريون عام 3000 قبل الميلاد
يقف على أحد الأودية الخصيبة شمال غربي صنعاء، قصر منيف وسط سندس الوادي الأخضر مشرئباً بعنق مطرز، يعانق بطن السماء، بعد أن تربع حجراً جيرياً عملاقاً عد من عجائب العمارة اليمنية التاريخية بلا منازع.
إنه قصر ’’دار الحجر’’، في وادي ظهر، المحاط ببساتين وارفة من العنب والرمان والخوخ والتين والسفرجل يتوسط المنطقة، ما يوحي أن اختيار مكانه تم بعناية فائقة ليغدو قصراً لملوك الدولة السبئية، ثم مقراً صيفياً لباقي ملوك اليمن خلال الفترات اللاحقة، قبل أن تتخذه الحكومة اليمنية في العام 1962 متحفاً ومعلماً سياحياً يحوي بعض مقتنيات الإمام.
شيد ’’دار الحجر’’، كما يسميه اليمنيون، على صخرة جبلية ترتفع حوالي 35 متراً عن سطح الأرض، على أنقاض قصر سبئي قديم كان يعرف بحصن ’’ذي سيدان’’، الذي بناه الحميريون عام 3000 ق.م، بحسب المراجع التاريخية اليمنية. ودمر الحصن على يد الأتراك قبل 400 عام، وأُعيد ترميمه في بداية القرن العشرين، على يد الإمام يحيى حميد الدين بعد أن توارثه عدد من الملوك اليمنيين قبله.
يقول الباحث في التاريخ اليمني، فكري آل هير، إن بناءه لأول مرة ربما كان في العصر الخامس من عصور مملكة سبأ، وهو العصر الذي يطلق عليه المؤرخون حالياً تسمية ’’عصر المملكة الحميرية’’، التي أسسها الملك ’’أريم ملشان ذو يزن’’، مؤسس السلالة الملكية اليزنية الشهيرة، التي ظهرت في بداية القرن الرابع الميلادي، وهو الملك الذي يُنسب إليه فعلاً بناء قصر ’’دار الحجر’’ للمرة الأولى.
ويشير آل هير خلال حديثه لـ’’اندبندنت عربية’’ إلى أن الملك ’’أريم ملشان ذو يزن كان قد نقل عاصمة مملكته من ظفار ذو ريدان في وسط اليمن إلى صنعاء’’.
ويتعزز هذا الرأي، بحسب آل هير، بوجود إشارات إلى ’’تسمية القصر بـ’’ذي ريدان’’، وهذه التسمية أطلقت عليه على سبيل التيمن، وهي عادة يمنية قديمة، أن يتيمنوا بتسمية المناطق الجديدة التي استقروا فيها بأسماء المناطق التي انتقلوا منها’’.
وأضاف، ’’جزء مهم من تلك الإشارات ورد في الجزء الثامن من كتاب الإكليل للهمداني، الذي عني بقصور اليمن القديمة، وكان منها قصر دار الحجر، وقد أشار الهمداني إلى أنه كان يطلق على القصر ’’ذو سيدان’’، ولعل هذا تصحيف لـ ’’ذو ريدان’’، وهو الأرجح بشأن تاريخ بناء دار الحجر لأول مرة’’.
صالات الاستقبال
دلفنا إلى القصر المبني على الطراز المعماري اليمني عبر ممر واسع اتخذ كحوش مرصوف بأحجار توصل إلى استراحة، ويقع شمالها ’’المفرج’’ وهو مجلس كبير يطل على حوض مائي دائري بني بالحجر الأسود كان يتخذه الملوك موقعاً لاستقبال كبار الضيوف.
بئر في الصخر
وتحوي الأدوار الأولى غرف الحراسة وعمال القصر، وفي الدور الثاني بئر حفرت في الصخرة التي يقف عليها ’’دارالحجر’’، عمقها حوالى 70 متراً لتزويد القصر باحتياجاته من المياه، وينتشر حولها عدد من المطابخ ومخازن ومطاحن الحبوب الحجرية. وتوجد في جهته الشمالية مغارات متوسطة حفرت في الصخر قيل إنها استخدمت مقابر قديمة لسكان القصر.
غرف للصيف والشتاء
وتنتشر في الدور الثالث الغرف العائلية ذات الجهات المختلفة بحسب فصول السنة، فهناك الغرف الصيفية التي تستقبل الهواء البارد جداً بمجرد فتحة بسيطة في نوافذها، وأخرى باتجاه الشمس تظل دافئة شتاء. وما يميزها إطلالتها البانورامية الأخاذة على المنطقة الخلابة التي تحيط بها مزارع الفواكه والأنهار الجارية خصوصاً خلال فصل الصيف.
ويلاحظ أن نوافذ بعض المجالس الكبيرة التي أوضح المرشد السياحي، صادق علي، أنها استخدمت لتجمعات نساء القصر، مزودة بشبك خشبي منحوت يحيط بالنافذة وذلك تفادياً لسقوط الأطفال لكنه يسمح برؤية الخارج.
وفي الدور الثالث أيضاً، توجد شرفة واسعة مزودة بمزاريب وأحواض مائية كانت تستخدم للغسيل، إضافة لغرف النوم المزودة بخزانات جدارية لحفظ الملابس والمجوهرات والمقتنيات الثمينة، وكوّات واسعة تتخللها فتحات تستخدم كبرادات طبيعية لمياه الشرب، إضافة إلى فتحات أخرى خصصت للحراسة، تسمح بمراقبة محيط القصر.
أجنحة الملك
والأدوار العلوية خصصت للملك وعائلته، وتتكون من غرف ومفارج واسعة. وكي يستشرف الجالس فيها أكبر قدر من رؤية المناظر المحيطة بالقصر، تتوسطها نوافذ زجاجية واسعة تعلوها ’’القمريات’’ التي هي عبارة عن قطع مزخرفة نصف دائرية تعلو النوافذ صنعت من الرخام أو الجص المنقوش، المزين بالزجاج الملون، الذي يمنح الضوء المتسرب للغرف والأجنحة ألواناً شتى تزيد المكان رونقاً وجمالاً فريداً.
زوار محليون
وبحسب المرشد السياحي صادق علي، يقدر عدد زوار القصر حالياً ما بين 100 إلى 150 زائراً يومياً، يرتفع العدد يوم الجمعة، معظمهم من سكان العاصمة صنعاء والمناطق المجاورة، بينما اختفى السياح الأجانب الذين كانوا يترددون بكثرة على هذا القصر، بسبب الحرب الدائرة في البلاد.
ونتيجة ذلك، يشير صادق إلى تأثر المرشدين السياحيين الذين كانوا يجنون دخلاً جيداً من عملهم اليومي مع السياح، إضافة لتأثر السكان المحليين الذين يبيعون منتجاتهم الزراعية والفواكه، وكذلك محال بيع التحف التذكارية والمقتنيات التراثية التقليدية.
إهمال وانهيار
ويذكر الباحث آل هير أن العصور الوسطى، وبالتحديد في العصور الإسلامية، تعرض قصر الحجر خلالها للإهمال، وربما تعرض للحرق والهدم في ظل الصراعات والحروب السياسية، التي لم تنقطع في اليمن منذ القرن الثالث الهجري، لاسيما وأن المصادر التاريخية توثق كثيراً مما تعرضت له المعالم الأثرية القديمة من عمليات حرق وتخريب، وهدم جزئي، ومنها ما تمت إزالتها تماماً، كما حصل للقصر الشهير غمدان بصنعاء في صدر الإسلام، وحرق وهدم قصر ذو يهر، ثاني أعظم قصور اليمن بعد غمدان، في الفترة التي شهدت صراعات علي بن الفضل الحميري مع خصومه الآخرين، كما توثق المصادر قيام الأيوبيين لاحقاً بهدم وإزالة معالم أثرية أخرى لا تقل أهمية عما سبق ذكره.
ويرجح آل هير ذلك في ظل ’’شح ما تذكره المصادر التاريخية لهذه الفترة عن قصر ’’دار الحجر’’، وعن غيره من القصور والمعالم المعمارية، وهو ما يعطي انطباعاً بأن القصر ظل خراباً ومهملاً حتى أواخر القرن الـ 18، عندما اقترح المعماري علي بن صالح العماري على الإمام المنصور علي بن العباس إعادة بناء القصر، ليكون منتجعاً صيفياً له، وتم بالفعل ترميم القصر، وبالتحديد الجزء الذي يغلب عليه اللون الأسود، ثم جرت إضافة أجزاء جديدة إليه خلال عهد الدولة المتوكلية (1918-1962)’’.
بالإضافة إلى قيمة ’’دار الحجر’’ الأثرية والتاريخية، فإنه يعد من أهم المعالم السياحية التي لا تنقطع عنها الوفود السياحية المحلية طوال العام، بالإضافة إلى الأهمية الكبيرة التي حظي بها من قبل السياح الأجانب، الذين كان ولا يزال قصر ’’دار الحجر’’ أهم وجهاتهم السياحية.
*نقلا عن ’’إندبندنت عربية