حياةٌ بنصف ابتسامة

وسط كومة المعاناة التي تمر بها البلاد لا تكاد الشرائح المجتمعية كلها في منأى من تبعات ذلك، إضافة لما ترتب على هذه التبعات من آلام عدة على المستوى الاجتماعي والاقتصادي، وهذا بحد ذاته سبب كاف لزيادة مواجع بلد يحاول أبناؤه الخروج من مأزق الحرب بما هم عليه على الأقل! الأطفال ضحايا مفضلون لهذه الحرب، لا تعليم ولا ألعاب ولا شغف، ومنهم من تحمّل صدمات التشرد والنزوح وفقد من يعيله ليصبح على إثر ذلك معيل أسرته وصاحب الهم الأكبر رغم صغر سنه.. هكذا تصادر الحرب طفولتهم دون اعتبار لما هم فيه، وتزيدهم آلامًا لا تكاد تنتهي بفعل ما ينجم عنها بشكل مستمر على مدى السنوات الست الماضية. محمد طفل في الثلاثة عشر من عمره، يعود إلى محافظة حجة، إذ يعيش مع أسرته المكونة من أمه وأخواته الأربع وأبيه الكبير في السن والذي بالكاد يستطيع المشي، محمد ضحية من ضحايا الحرب في البلد، إذ يحاول الاستمرار في الحياة بما يضمن له ولأسرته شيئًا من ذلك بشكل يومي. لقمة عيش بحث محمد كثيرًا عن عمل ليعول أسرته الذي لا معيل لهم سواه، مرت الأيام يوم تلو الآخر ومحمد يبحث دون كلل أو ملل، يخرج في الصباح بحثًا عن عمل ولا تعيده إلا ظلمة الليل ولكن دون جدوى، مع ازدياد وطأة الجوع على الطفل وأسرته، لم يستطع أن يحتمل رؤية أخواته ووالدي يتضورون جوعًا، حتى هو لم يعد يحتمل الحالة ذاتها، فاضطر أن يبحث بطريقته الخاصة عله يجد من الناس ما يخفف عنه وأسرته معاناتهم. تقول والدته:(ابني محمد من لما كبر أبوه وتعب وما عد معانا إلا هو يسير يشقي علينا، يوم يروح لنا بأكل ويوم ما يلقي شيء، محمد بيتعب خيرات بس ما بيبين تعبه لنا وكلما نسأله عن اللي بيحصل معه يبتسم ويقل الحمد لله على كل حال) أي أنه لم يعد لهم سوى محمد ليبحث لهم عن قوت يومهم منذ أصاب والده العجز، فأحيانًا يستطيع أن يؤمّن لأسرته الطعام وأحيانًا يصعب عليه ذلك، تقول والدته أنه يتأذى كثيرًا ولكنه يخفي ذلك عن عائلته وأنه في كل مرة يسأل عما يحدث معه ويحمد الله على كل شيء. حزن متجدد في كل مرة يستطع فيها محمد أن يؤمن الطعام لأسرته يشعر بالسعادة، ولكن حزنه يتجدد كل صباح عندما يمر بالمدارس وينظر للتلاميذ متأملًا ازياءهم المدرسية وحقائبهم الملونة والابتسامة المرسومة على وجوههم فيتمنى لو كان واحدًا منهم ثم يكمل طريقه للبحث عن طعام، فهو يظن أن التعليم شكل من أشكال الترف والثراء المحرمة على من لا يجد ما يسد به رمقه، تمامًا كما هو. يقول صديقه إياد: محمد ولد قوي مش كل الناس يقدروا يتحملوا اللي بيتحمله، بيحاول يخبي عن أسرته اللي بيحصل معه علشان لا يقتهروا عليه، كم ناس بيتكلموا عليه وكم ناس بيقهروه وكيف بيشوفوه الناس، بس أوقات ما عد بيقدر يتحمل ويخبي في قلبه بيرجع يحكي لي كل شي). يخفي محمد الكثير مما يحدث معه بداخله فهو لا يريد لعائلته أن تتألم من أجله، ولكنه يصل إلى نقطة ينفجر فيها فلا يجد أمامه إلا صديقة إياد ليحدثه بما يعانيه من كلمات الناس الجارحة وتصرفاتهم المؤذية ونظرات الازدراء التي يرونه بها. يقول الأخصائي النفسي عبدالله الأمير: إن هناك الكثير من الآثار السلبية المترتبة على عمالة الأطفال وتسولهم كالتعرض للاستغلال الجنسي، وكذلك حرمانهم من حقهم في التعليم، وأيضًا قد يصاب الطفل باضطرابات نفسية نتيجة للمواقف التي قد يتعرض لها، وربما تتطور حالته إلى اضطرابات في الشخصية مما قد يؤدي به إلى الاكتئاب، كذلك بالتأكيد سيشعر بالحرمان وعدم الأهمية وضعف تقديره لذاته وسيتعرض لأصناف من التعامل القاسي التي ستحدث شروخًا عميقة في شخصيته وتؤثر في حياته بشكل عام. محمد واحد من ملايين الأطفال في اليمن ممن يحاولون الوقوف في وجه المتغيرات رغم سنه الصغير، محتملًا معاناته ومعاناة أسرته بنصف ابتسامة يكتسبها من جهده اليومي المليء بالألم. " تم إنتاج هذه المادة من قبل شبكة إعلاميون من أجل طفولة آمنة التي يديرها مركز الدراسات والإعلام الاقتصادي وبتمويل من اليونيسف (منظمة الطفولة)".
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص