حتى النازحات المعاقات في "اليمن"... يتعرضن للعنف!

ت الحرب التي ما تزال تدور رحاها في اليمن إلى إصابة 92 ألف شخص بإعاقات مختلفة، لينضموا إلى تعداد ثلاثة ملايين معوق سُجلوا خلال الأعوام التي سبقت الحرب، بحسب آخر الإحصائيات الصادرة عن منظمات محلية ودولية. ويُعتبر الأشخاص ذوو الإعاقة الفئة الاكثر تضرراً من الحرب المستعرة التي أنهكت اليمنيين منذ نحو سبعة أعوام، حيث يحتاج غالبيتهم إلى الغذاء والدواء ومختلف خدمات الرعاية الصحية والتعليمية والاجتماعية. كما أن الأضرار التي لحقت بالبنية التحتية والطرقات في عدة مناطق في اليمن، صار يصعب على المعاقين التنقل فيها، بالإضافة إلى أن أكثر من 300 منظمة كانت تقدم خدمات خاصة لهؤلاء أغلقت أبوابها في وجههم. ووصلت المعاناة حد انعدام المأوى المناسب لعدد من المصابين بإعاقات مختلفة، والذين لم يستطيعوا مغادرة منازلهم إلى أماكن أخرى أكثر أماناً من المنازل التي كانوا يقطنونها في عدد من المناطق اليمنية قبيل اندلاع الحرب، التي فاقمت الظروف الاقتصادية الصعبة لليمنيين عموماً. تغريد حسان تبلغ من العمر 28 عاماً. هي فتاة أصيبت بشلل في حركة الجسم نتيجة قصف الطائرات لمنزل أسرتها في الحي القريب من القصر الجمهوري في مدينة تعز. تقول تغريد: «كان ذلك اليوم من أسوأ الأيام في حياتي، استشهد أخي وأصيب والداي بجروح خطيرة نتيجة ذلك القصف، ودخلت في غيبوبة ورقدت في المستشفى أسابيع حتى خرجت منها بكرسي متحرك، حينها حمدت الله أنني ما زلت على قيد الحياة، غادرنا المنزل إلى منزل آخر لأقارب لنا في حي ثعبات، ومرة أخرى تقصف الطائرات منازل في الحي الذي نزحنا إليه، وفي اليوم الثاني قرر أهلي النزوح إلى محافظة إب هرباً من جحيم الحرب». وتضيف تغريد في حديثهامعي:«كان قرار مرافقة أهلي في رحلة النزوح قراراً متعباً بالنسبة لهم، فهم لم يحملوا أي شيء من حاجيات منزلنا الثقيلة، وركزوا على نقل ما هو خفيف، كانت رحلة شاقة ومتعبة وهم يحملونني من منزل لآخر ومن سيارة لأخرى، لاحظت علامات الإرهاق في وجوه والدي المصابين رغم أنهما لم يعبرا عن انزعاجهما مني، لكنني أحسست أنني تسببت لهما بالتعب والمشقة». انتهاكات في رحلة نزوح تغريد وعائلتها من محافظة تعز إلى محافظة إب، لم تتعرض تغريد لأي شكل من أشكال العنف الموجه ضد المرأة النازحة، لكن المئات من ذوات الإعاقة اللواتي نزحن من وإلى مناطق متفرقة في اليمن تعرضن لأنواع مختلفة من العنف النفسي والجسدي واللفظي بحسب دراسة بحثية ميدانية أصدرها «المنتدى اليمني للأشخاص ذوي الإعاقة»، بالتزامن مع احتفالات معاقي اليمن بمناسبتي يوم المعاق العربي واليوم العالمي للمعاق، واللتين صادفتا بدايات ومنتصف ديسمبر الجاري. المئات من النازحات ذوات الإعاقة تعرضن لأنواع مختلفة من العنف الجسدي واللفظي واستهدفت الدراسة 280 امرأة نازحة من ذوات الإعاقة السمعية والبصرية والحركية، من محافظات الحديدة وإب والضالع وعمران وأمانة العاصمة. يقول المدير التنفيذي لـ«المنتدى اليمني للأشخاص ذوي الإعاقة»، فهيم القدسي، إن «الدراسة لم تنفذ إلا من أجل وضع حد لتفشي ظاهرة العنف الموجه للنازحات من ذوات الإعاقة في المجتمع اليمني، حيث تطرقت هذه الدراسة لموضوع حساس عند مجتمع ما يزال يعتبر الإعاقة وصمة اجتماعية، إذ يستحي بأن يعترف بوجود امرأة معاقة. لذا، فإن الفريق الأكاديمي والنفسي والاجتماعي الذي نفذ الدراسة استطاع أن يكشف الكثير من الانتهاكات التي تعرضت لها عدد من النساء النازحات من ذوات الإعاقة، واللاتي واجهن العنف في زمن الحرب. كما استطاع الفريق أن يكشف مكامن الخلل، رغم عدم وجود قوانين أو سياسات في اليمن تتطرق بشكل خاص إلى مشكلة العنف والتمييز ضد المرأة، كون مجرد التطرق لهذا الموضوع يعتبر من الأمور المحظورة على جميع مستويات المجتمع بحكم العادات والتقاليد». بينت الدراسة أن حوالي 59.3% من النازحات اليمنيات المعاقات يتعرضن للعنف بمستوى متوسط ومرتفع مقابل 40.7% ممن يتعرضن للعنف بمستواه المنخفض. وهو الأمر الذي يعني أن نسبة المستوى المنخفض لا تُعدّ نسبة ضئيلة بل تعكس حقيقة أننا أمام مشكلة كبيرة وخطيرة جداً، تستدعي التدخل السريع من قبل الأسرة والمجتمع والدولة والمنظمات الدولية من أجل إنقاذ هذه الفئة. وفي تبيان لما أثبتته الدراسة بخصوص أشكال وأنواع العنف الذي تعرضت له النساء النازحات منذ بدء الحرب، يشير القدسي إلى أن «النازحات من ذوات الإعاقة يتعرضن للعنف النفسي بنسبة 64.3%، يليه العنف اللفظي بنسبة 62.75%، ثم العنف الجسدي بنسبة 50%». وصمة عار وفي تفسيرها للأرقام التي تضمنتها الدراسة، ترى الأكاديمية والأخصائية الاجتماعية، خديجة عمر، وهي من ضمن الفريق الأكاديمي المنفذ للدراسة، إلى أن «المرأة اليمنية بشكل عام تعاني من تغييب لدورها وانتقاص لحقوقها». وتقول عمر، في حديثها معي، إن «تغييب المرأة يرجع إلى التركيبة الاجتماعية في مجتمعنا اليمني، في ظل سلطة تقوم على السلطة الأبوية الذكورية، فتتم تنشئة المرأة لوضعية التبعية للرجل، وبالتالي تتعرض للاحتقار والسخرية في المقام الأول، ثم تتعرض للألفاظ النابية... أما بالنسبة للعنف الجسدي الذي جاء في المرتبة الأخيرة، فذلك يُعزى إلى أن المجتمعات التقليدية والمحافظة تكاد تقتصر فيها ممارسة الضرب والايذاء الجسدي للمرأة على الأهل والأقارب؛ ذلك أن العادات والتقاليد والأعراف تجرم ضرب المرأة وأبنائها جسدياً من قبل الآخرين، وتعتبره عيباً، ويوصم من يمارسه بالعار». حلول: من جانبه، يؤكد رئيس «المنتدى اليمني للأشخاص ذوي الإعاقة»، حسن إسماعيل، أن «النتيجة التي خرجت بها الدراسة تعكس الثقافة السائدة بخصوص العنف نحو المرأة». ويرى إسماعيل أن «العنف الممارس ضد المرأة في المجتمع اليمني ينطلق من النظرة الدونية للمرأة باعتبارها تحتل مكانة أقل من الرجل، فينتشر العنف بكافة أشكاله... حتى يصبح سلوكاً اعتيادياً أن يتم تعنيف المرأة منذ سنوات حياتها الأولى دون الاقتصار على مرحلة عمرية معينة». ويضيف إسماعيل، في حديثه معي،أن«هذه الدراسة سلطت الضوء على العنف الموجه ضد النازحات من ذوات الإعاقة في المجتمع اليمني، ووضعت استراتيجيات تعمل على الحد أو التخفيف من مستوى العنف الذي تتعرض له النساء المعاقات بشكل عام والنازحات من ذوات الإعاقة على وجه الخصوص. وفي هذا الصدد وضعت توصيات ومقترحات تتعلق بالجانب الوقائي والجانب النمائي والجانب العلاجي». ويتابع أنه «فيما يتعلق بالجانب الوقائي، فقد أوصت الدراسة بضرورة وضع وتفعيل التشريعات العقابية، وضرورة تنفيذ برامج الدعم النفسي للنازحين المعاقين، وضرورة قيام المعنيين في وزراة الصحة بدورهم في جانب الرعاية الصحية للمعاقين، وإلزام الدولة بضرورة وضع قوانين تحمي المعاقين وتساعد على دمجهم في المجتمع وحرية التنقل واستخدام وسائل الاتصال المختلفة». أما فيما يتعلق بالجانب النمائي، فأوصت الدراسة بـ«ضرورة إنشاء قاعدة بيانات دقيقة عن المعاقين بجميع فئاتهم بشكل عام، والمعاقين النازحين على وجه الخصوص، لأنه لا توجد إلى حد اليوم إحصائيات دقيقة عن النازحين من ذوي الإعاقة، بالإضافة إلى ضرورة تفعيل مهام صندوق رعاية وتأهيل المعاقين (وهو صندوق تديره الحكومة اليمنية ويمول من شركات ومؤسسات تجارية وغير تجارية، وأُنشىء لتقديم مختلف الخدمات للمعاقين في اليمن). كما أوصت الدراسة بضرورة إعداد برنامج توعية للمواطنين بخصوص الاهتمام بشريحة النازحين من ذوي الإعاقة». وفيما يتصل بالجانب العلاجي، أوصت الدراسة بـ«ضرورة إنشاء خط ساخن يؤدي مهمة الإرشاد والعلاج النفسي للنازحين من ذوي الإعاقة والنساء ذوات الإعاقة، وحث الدولة على وجوب وضع خطة لتوزيع الأخصائيين النفسيين والاجتماعيين على كل المراكز والجمعيات والمخيمات التي تتواجد فيها النساء النازحات المعاقات، وذلك من أجل التدخل في الكشف المبكر للمشكلات والاضطرابات النفسية التي قد تتعرض لها النازحات."
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص