استيقظ أهالي المدينة ذات نهار رتيب بارد وحزين مشحون بالوجوم والتوجس والقلق على فوضى وجلبة وتدافع وتجمع فوضوي للناس على مشارف طرق ومعابر. كانوا قد نسوها. ولم يعد يتذكروها
كان كريم يمر كعادته بحافلته المهترئة للبحث عن الركاب. من نقطة البداية تلك عند ما أبصر. الجمع
سأل رجلا مارا بالشارع: ماالخطب؟
رد الرجل بضجر وهو يلوح بيديه : الحرب انتهت. كان الناس يتدافعون واجمين لعبور الشطر والجانب الآخر من المدينة التي شأت ظروف الحرب والمتصارعين أن تقسمها إلى قسمين
راحت تتصاعد وتتصارع في نفس السائق مشاعر شتى،
سارع مغمغما ومتذمرا لفتح المذياع، كان المذياع ينقل أيضا الأحداث والاتفاقيات الدراماتيكية غير المتوقعة التي أنهت الحرب.
لم يصدق هذا وذاك،ورفع موبايله، وصار يتصل بأكثر من صديق، وكانت الإجابات تأتيه بصدق ما حصل .
كانت الناس في الشوارع وفي الطرقات والمحلات والأسواق وحتى المنازل تلوك خبر التوقف المباغت للحرب بخيبة أمل ويأس، والحزن يكتسي وجوههم بقوة،
وكأن هذا شقاء كتب عليهم للأبد وانتهائه بهذه الصورة مخالف للعقل والمنطق .
كانت ملامح الصدمة واضحة وجلية في عيون الناس، كانوا متكدرين وحانقين، وكأنهم يشاهدون فيلم رعب يحبس الأنفاس ووصولهم للنهاية والتخلص من معاناتهم ومن إثارته بقدر ماتشعرهم بالراحة هي تشعرهم بانتهاء متعتهم.
ظل كريم مسمرا في مكانه لايقوى على شيء، غير مستوعب لما حصل. حاول الكلام إلا أنه وجد لسانه يلتصق بقاع فمه الجاف، ويأبى أن يتزحزح!
الغريب في الأمر أن هذه الحالة كانت تنطبق على الكل كان الجميع واجمين فاغرين الأفواه،وكأنهم موصومين بعار السلام ومصدومين كمن تلقوا طعنة نجلاء في إنسانيتهم وآدميتهم وكرامتهم المهدرة .
انطلق كريم بحافلته في عدت شوارع واتجاهات يرصد حالة الناس وشعورهم ونفسيتهم خرج باتجاه مدينة آخرى. وكان يتوقف وينصت لنفس الوجوه الواجمة المشدوهة ونفس العبارات تتكرر" الحرب توقفت" ينطقونها ببرود وخوف والقلق ينهشهم ببرود.
كأن الحرب هي قدرهم وهي مآلهم والخلاص منها بكل سهولة هكذا كأنه نوع من العقوق والجحود، وكأنهم عبيدا قضوا أعواما في الرق منذ نعومة أظافرهم ولم يحسوا سوى بطعم العبودية والإذعان والسياط، و أن حصولهم على الحرية فجأة يشعرهم بأنهم آبقون ومقترفون لخطأ بحق سيدهم.
كانت هذه الحالة ليست فقط حصرا على هذه المدينة المشطورة بل حالة عامة تكاد تسري في كل البلد التي أخرست فيها أصوات المدافع وحل السلام آخيرا . وبدا عبير السكينة والأمان يفوح في الجو ولكنه لم يلامس قلوب ونفوس الناس المتذمرة التي شعرت أنه أسقط في يدها، وأن هناك حياة أخرى رتيبة مملة تنتظرها وأنها ليست حياتهم وأنهم لم يعد ينتمون إليها. لقد صار ديدنهم ووتر ونغم حياتهم هو الوضع القائم
وأن السلام المباغت الذي دهمهم سيغير دينمايكية حياتهم. نمطهم وموسيقى الخنوع والاستسلام. والاذعان والسكينة والدعة ولامبالاة الأيام التي تزغرد في أرواحهم و
كأنهم مقبلين على حرب وليس سلام.
رستم عبدالله.
إضافة تعليق