في قلب مديرية جبل حبشي بمنطقة يفرس، تُثار من جديد قضية بيع ماء ساقية الشيخ أحمد بن علوان، التي تعتبر إرثًا تاريخيًا ودينيًا يعكس مكانة أحد أعلام التصوف الإسلامي في اليمن.
هذه الساقية، التي كانت تُستخدم منذ قرون لخدمة سكان المنطقة، أصبحت اليوم موضوعًا لنزاعات متعددة بين مشايخ وعقال المنطقة، ومزارعي القات، والجهات الرسمية، مما يثير تساؤلات حول مصير هذه الموارد العامة.
خلفية القضية
في العام الماضي، تقدم مجموعة من مشايخ وعقال منطقة يفرس، عبر وثيقة مكتوبة بخط يد المحامي عمر أحمد محمد الشدادي، بشكوى إلى رئيس محكمة يفرس الابتدائية، يطالبون فيها بمنع بيع ماء ساقية الشيخ أحمد بن علوان لمزارعي القات.
تضمنت الوثيقة دعوة صريحة للحفاظ على الساقية كحق عام وعدم استغلالها لأغراض زراعية تجارية تتعارض مع وقفها الأساسي. استجابةً لهذه الشكوى، وجه رئيس المحكمة خطابًا إلى مدير أمن مديرية جبل حبشي طه البركاني لمنع بيع الماء، مما أدى إلى وقف مؤقت للأنشطة المثيرة للجدل.
تناقضات العام الحالي
على عكس موقفهم السابق، كشفت مصادر موثوقة هذا العام أن نفس المشايخ والعقال الذين كانوا وراء الشكوى أصبحوا الآن يقومون ببيع ماء الساقية لمزارعي القات بحجة “بيع الفائض” وبتكليف من الأوقاف والمجلس المحلي في المديرية، حسب زعمهم.
الإيرادات وتوزيعها
تُقدر إيرادات بيع ماء ساقية الشيخ أحمد بن علوان بملايين الريالات، حيث يخصص منها 800 ألف ريال شهريًا للأوقاف، تُسلم عبر المتعهد عاقل عقال جبل حبشي عوض عبدالله الأهدل.
أما بقية الإيرادات، التي تصل إلى ملايين الريالات، فتذهب إلى جيب عاقل عقال جبل حبشي وداعميه من مشايخ وعقال منطقة يفرس.
وقد ذكر عوض عبدالله الأهدل في بداية العمل أن العائدات ستُستخدم لتمويل مشاريع لصالح المنطقة وترميم جامع الشيخ أحمد بن علوان التاريخي، إلا أن الوقائع تشير إلى أنه خلال الأشهر الثلاثة الماضية جمع ما يقارب 54 مليون ريال، منها فقط 2 مليون و400 ألف ريال للأوقاف، فيما ذهب المبلغ المتبقي، 51 مليون و600 ألف ريال، إلى جيبه الخاص دون تنفيذ أي مشروع أو ترميم يُذكر.
دوافع وتداعيات البيع
تبرر الأطراف المروجة لبيع الماء خطوتها بأنها تأتي لسد احتياجات مالية وتنموية، مستندةً إلى فكرة أن بيع الفائض لن يؤثر على الاستخدامات التقليدية للساقية.
ومع ذلك، يرى معارضو هذا التوجه أنه يمثل تهديدًا للموروث الثقافي والديني للمنطقة، إذ يُعتقد أن استخدام الماء لري مزارع القات يتعارض مع الوقف المخصص لخدمة المجتمع المحلي والمرافق الخيرية.
دور الجهات الرسمية
يلقي هذا الوضع الضوء على دور الأوقاف والمجلس المحلي في المديرية، حيث يتهمهما البعض بالتواطؤ مع مزارعي القات لتحقيق مكاسب مالية على حساب الإرث الديني والتاريخي. من ناحية أخرى، تؤكد هذه الجهات أن قرارها يأتي في إطار تنظيم الموارد وتحقيق الاستفادة المثلى منها.
تدمير الساقية والمشاكل المتفاقمة
أدى بيع الماء إلى إثارة مشاكل بين عاقل عقال جبل حبشي والمواطنين، مما دفع مجهولين إلى تدمير أجزاء من ساقية الشيخ أحمد بن علوان احتجاجًا على هذه الممارسات.
ورغم الإيرادات الضخمة، لم يتم حتى الآن ترميم الساقية، التي أصبحت عرضة للتلف والإهمال.
البدائل المائية
الغريب في الأمر أن الوديان التي تُباع لها مياه الساقية، مثل وادي الذنبة ووادي بني خولان، تكتفي ذاتيًا بالمياه من الآبار الموجودة فيها، التي تحتوي على فائض كبير يغطي احتياجات المزارعين. ومع ذلك، يتم تصدير مياه الساقية لهذه المناطق في ظل غياب واضح للرقابة.
الحاجة إلى حلول جذرية
في ظل هذا الجدل، تبرز الحاجة إلى تدخل عاجل من قبل السلطات العليا لتنظيم إدارة الساقية وضمان عدم استخدامها بما يخالف مصلحة المجتمع المحلي. كما يتطلب الأمر شفافية أكبر من الجهات الرسمية في توضيح قراراتها وآليات تنفيذها.
وتظل قضية ساقية الشيخ أحمد بن علوان مرآة للتحديات التي تواجه إدارة الموارد العامة في اليمن.
بين المصالح الخاصة والالتزامات العامة، يبقى الحفاظ على هذا الإرث مسؤولية جماعية تتطلب تضافر الجهود بين السكان والجهات الرسمية للحفاظ على هوية المنطقة وحقوق أهلها .