في ذلك الوقت، كانت القوات الروسية تثبت تفوقا ميدانيا وتحتفظ لنفسها باليد العليا في مسار الحرب، ما يعطي مبررا للخطوة التي أقدم عليها "زيلينسكي"، حيث كان" زالوجني" متهما على نطاق واسع بالعجز عن تغيير مسار الحرب بشكل فعّال لصالح أوكرانيا خلال عام 2023، كما أنه لم يُحدث تقدما يُذكر منذ أن تقدمت القوات الأوكرانية في مقاطعة "خيرسون" أواخر عام 2022، بيد أن إقالته أثارت قلقا لدى غالبية الأوكرانيين، وبصورة أكبر بين الجنود، خاصة مع الإعلان عن اسم قائد الجيش الجديد وبدء توليه مهمته.
كان مبعث القلق لدى الجنود هو ما يعرف عن القائد الجديد "سيرسكي" من عدم الاكتراث بالخسائر البشرية واعتبارها آثارا جانبية ضرورية للحرب، خلافا لسلفه "زالوجني"، الذي عرف عنه اهتمامه بالجنود وعائلاتهم وتعزيز ثقافة حفظ الأرواح.
جنرال متفائل وآخر واقعي
أما عن أسباب قرار تغيير القيادة العسكرية، فمن المرجح أن إقالة "زالوجني" جاءت على خلفية ميوله الواقعية، التي تمثلت في إعلانه بوضوح عن عدم قدرة أوكرانيا على تحقيق تغيير جذري في الحرب لصالحها، وكان ذلك هو الاختلاف الأكبر بينه وبين رئيس بلاده "زيلينسكي"، الذي ظل حريصا على رفع توقعات الأوكرانيين، والترويج لإمكانية تحقيق نصر حاسم واستعادة الأراضي الأوكرانية بمجرد بدء العمليات المضادة.
رصدت تقارير عدة هذا التباين الواضح بين رؤية كل من "زيلينسكي" و"زالوجني" فيما يتعلق بحجم الدعم الغربي المطلوب، وأسلوب سير العمليات المضادة، وكذلك الحاجة إلى تعبئة المزيد من الجنود، وصولا إلى رؤية "زالوجني" حول ضرورة تمركز القوات الأوكرانية في وضع الدفاع الإستراتيجي في عام 2024، بدلا من الهجوم.
في المقابل، لم يكن "زيلينسكي" يتحلى بصبر مماثل، وأراد إنهاء حالة الجمود في ساحة المعركة بأي شكل، ووفقا لهذا التصور، كان الجنرال "سيرسكي" اختيارا مناسبا، نظرا لكونه أكثر استعدادا لتبني رؤية رئيسه. وقد أثبتت الأيام ذلك بالفعل، إذ أقدمت القوات الأوكرانية -تحت قيادته- على غزو منطقة "كورسك" الروسية في أغسطس/آب الماضي، وهو ما اعتُبر أكبر انتصار عملياتي للأوكرانيين منذ تحرير "خيرسون" في نوفمبر/تشرين الثاني 2022.
غير أن هذا لا يتنافى مع حقيقة أن التوغل في "كورسك" كان أيضا باهظ الثمن بالنسبة للجيش الأوكراني، ويبدو أنه لا يزال يدفع ضريبة هذه المغامرة إلى الآن. فبحسب بيانات وزارة الدفاع الروسية، فقدت أوكرانيا في "كورسك" أكثر من 23 ألف عسكري بين قتيل وجريح، في غضون شهرين، بما قد يعد دليلا على صدق مخاوف الأوكرانيين بشأن الجنرال "سيرسكي" واستعداده للتضحية بموجات بشرية هائلة في مسرح الحرب.
الآن
الصراع المحيّر.. لماذا لم تنتصر روسيا ولماذا لم تُهزم أوكرانيا؟
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين (يمين) والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب (شترستوك)
مع بدايات عام 2024، تحديدا في فبراير/شباط، قرر الرئيس الأوكراني "فولوديمير زيلينسكي" إعفاء القائد الأعلى للقوات المسلحة الأوكرانية "فاليري زالوجني" من منصبه، وتعيين قائد القوات البرية الأوكرانية، الجنرال "أولكسندر سيرسكي"، محله.
في ذلك الوقت، كانت القوات الروسية تثبت تفوقا ميدانيا وتحتفظ لنفسها باليد العليا في مسار الحرب، ما يعطي مبررا للخطوة التي أقدم عليها "زيلينسكي"، حيث كان" زالوجني" متهما على نطاق واسع بالعجز عن تغيير مسار الحرب بشكل فعّال لصالح أوكرانيا خلال عام 2023، كما أنه لم يُحدث تقدما يُذكر منذ أن تقدمت القوات الأوكرانية في مقاطعة "خيرسون" أواخر عام 2022، بيد أن إقالته أثارت قلقا لدى غالبية الأوكرانيين، وبصورة أكبر بين الجنود، خاصة مع الإعلان عن اسم قائد الجيش الجديد وبدء توليه مهمته.
بوتين يهدد بالحرب النووية والأميركيون يكتفون "بالتثاؤب"
الإمام شامل الداغستاني.. لماذا أشاد به رئيس أوكرانيا واعتبره مصدر إلهام؟
كان مبعث القلق لدى الجنود هو ما يعرف عن القائد الجديد "سيرسكي" من عدم الاكتراث بالخسائر البشرية واعتبارها آثارا جانبية ضرورية للحرب، خلافا لسلفه "زالوجني"، الذي عرف عنه اهتمامه بالجنود وعائلاتهم وتعزيز ثقافة حفظ الأرواح.
جنرال متفائل وآخر واقعي
أما عن أسباب قرار تغيير القيادة العسكرية، فمن المرجح أن إقالة "زالوجني" جاءت على خلفية ميوله الواقعية، التي تمثلت في إعلانه بوضوح عن عدم قدرة أوكرانيا على تحقيق تغيير جذري في الحرب لصالحها، وكان ذلك هو الاختلاف الأكبر بينه وبين رئيس بلاده "زيلينسكي"، الذي ظل حريصا على رفع توقعات الأوكرانيين، والترويج لإمكانية تحقيق نصر حاسم واستعادة الأراضي الأوكرانية بمجرد بدء العمليات المضادة.
رصدت تقارير عدة هذا التباين الواضح بين رؤية كل من "زيلينسكي" و"زالوجني" فيما يتعلق بحجم الدعم الغربي المطلوب، وأسلوب سير العمليات المضادة، وكذلك الحاجة إلى تعبئة المزيد من الجنود، وصولا إلى رؤية "زالوجني" حول ضرورة تمركز القوات الأوكرانية في وضع الدفاع الإستراتيجي في عام 2024، بدلا من الهجوم.
في المقابل، لم يكن "زيلينسكي" يتحلى بصبر مماثل، وأراد إنهاء حالة الجمود في ساحة المعركة بأي شكل، ووفقا لهذا التصور، كان الجنرال "سيرسكي" اختيارا مناسبا، نظرا لكونه أكثر استعدادا لتبني رؤية رئيسه. وقد أثبتت الأيام ذلك بالفعل، إذ أقدمت القوات الأوكرانية -تحت قيادته- على غزو منطقة "كورسك" الروسية في أغسطس/آب الماضي، وهو ما اعتُبر أكبر انتصار عملياتي للأوكرانيين منذ تحرير "خيرسون" في نوفمبر/تشرين الثاني 2022.
غير أن هذا لا يتنافى مع حقيقة أن التوغل في "كورسك" كان أيضا باهظ الثمن بالنسبة للجيش الأوكراني، ويبدو أنه لا يزال يدفع ضريبة هذه المغامرة إلى الآن. فبحسب بيانات وزارة الدفاع الروسية، فقدت أوكرانيا في "كورسك" أكثر من 23 ألف عسكري بين قتيل وجريح، في غضون شهرين، بما قد يعد دليلا على صدق مخاوف الأوكرانيين بشأن الجنرال "سيرسكي" واستعداده للتضحية بموجات بشرية هائلة في مسرح الحرب.
على جانب آخر، أقرّ المشاركون في الهجوم بأنه كان عملية صعبة ومعقدة، وأن الحفاظ على المنطقة تحت السيطرة الأوكرانية يزداد صعوبة مع الوقت، ما دفع بعضهم للتساؤل عن جدواه في وقت تتصاعد خلاله أولوية الدفاع عن المدن والبلدات الرئيسية في شرق البلاد بعد تعرضها لهجوم روسي مكثف، وخصوصا إذا ما وضع في الاعتبار تقلص المساحة التي يسيطر عليها الجيش الأوكراني في "كورسك"، وفقدانه فعليا أكثر من 40% منها بحلول نوفمبر/تشرين ثاني الماضي، بما يعيد الاعتبار لتصورات "زالوجني" القائد المُقال حول ضرورة التمسك بوضعية الدفاع الإستراتيجي، ويظهر أنه كان يمتلك نظرة أبعد وأدق من خلفه "سيرسكي".
ومن جهة أخرى، فقد أثمر الهجوم الروسي في شرق أوكرانيا عن تقدم تدريجي منذ بداية عام 2024، بما مثل انكسارا لحالة الجمود التي اتسمت بها خطوط المواجهة في العام الذي سبقه. وإجمالا، يبدو أن القوات الروسية حققت مكاسب أفضل خلال عام 2024، رغم اجتياح منطقة "كورسك".
يتزامن ذلك مع توقعات بشأن اقتراب الطرفين من الجلوس إلى طاولة التفاوض، خصوصا مع بدء الولاية الجديدة للرئيس الأميركي دونالد ترامب، الذي وعد مرارا بإنهاء الحرب فور توليه إدارة البيت الأبيض، وفي الوقت نفسه الذي تبحث فيه موسكو عن انتصار يسهم في ترميم صورتها الذهنية، بعد تراجع نفوذها في الشرق الأوسط نتيجة تطورات الساحة السورية، وما ترتب على ذلك من وضع سمعة القوة الروسية في موضع مساءلة.
وفي حين تدفع هذه المعطيات الكثيرين لاعتبار أن العام 2025 سيكون عاما حاسما لهذه الحرب المديدة والمعقدة، فإن هذا يعزز من أهمية التساؤلات حول المسارات المحتملة للحرب في 2025، وعن الأهداف الرئيسية لأطرافها المباشرة وغير المباشرة، وكيفية إدارتها مؤخرا لمسرح العمليات بما يتلاءم مع تلك الأهداف. وأن نحاول الإجابة على السؤال المحير، لماذا لم تنتصر روسيا ولماذا لم تُهزم أوكرانيا؟
إضافة تعليق