عن مأساة المبدعين... رسالة شاعر

عبد العزيز المقالح يبدو أن الرسالة المهمة أدناه، والتي كتبها الشاعر زين العابدين الضبيبي، قد تأخرت وتأخر وصولها كثيراً إلى المعنيين بأحوال الثقافة العربية وما يتعرض له المبدعون في الوطن العربي من إهمال وجحود، أتمنى أن تجد هذه الرسالة المؤثرة والناطقة بلسان الجميع طريقها إلى هؤلاء جميعاً وأن نجد لها صدىً سريعاً فالمبدعون في اليمن وأكثر من قطر عربي يتساقطون تباعاً دون رعاية أو اهتمام من أية جهة مسئولة. إليكم الرسالة ،،،، "أنقذوهم قبل أن يلعنكم التاريخ". أيها الناس إن شجرة الجمال تذبل وأغصانها تتساقط ، أعني الشعراء والأدباء ، مصابيح الحياة وربيعها الدائم وحراس الدهشة ، وسادة الضوء في زمن العتمة. إلى من نشكو ومن نناشد ومن يستمع؟ فها هم غرباء يموتون على أرصفة الخذلان والتنكر. في وطنٍ يضيّع الشاعر والأديب منهم عمره ويفني أيامه وروحه تعيساً في سبيل إسعاد الناس والتعبير عنهم والدفع بهم نحو عوالم الجمال والحرية ، حيث كل واحدٍ منهم هو قلب الجميع وملاذهم ولسان حالهم حين يعشقون وينكسرون ويحلمون ويجور عليهم الزمن، غير أنه وحده حين يذوي مرضاً وجوعاً لا يشعر به أحد أو يحس ، يذوي متحصناً خلف كبريائه معتقداً أن في وسع المجاز مواربة الألم الصارخ في أعضائه كما وارب معانيه الضاجة بأناشيد الحرية والثورة المنتصرة لقبيلة المقهورين الكونية، ولكنه يفشل، يفشل هذه المرة فالألم والقهر والجوع أكبر منه ومن قدرته على الصبر والتحمل، فإلى متى في كل مرة نريق ماء الوجه في استجداء حكومات بلا مسؤولية ؟ إلى متى وكل يوم نخسر قيمة وقامة بوسعها أن تجمل وتداوي بشاعة القبح المتفشية؟ بالأمس فقدنا الكثير واليوم ينام في المشفى واحدٌ من أعظم شعراء اليمن ومشاعل التنوير والحداثة نقداً وفكراً ، ينام وحيداً أعزلاً إلا من دعوات أصدقائه العاجزين عن شراء حقنة تخفف أوجاعه ومعاناته، إنه الشاعر الكبير جداً الأستاذ / عبد الودود سيف ، هذا الضوء الذي اختار العتمة في حياته واعتزل الناس تحسباً للحظة كهذه توقّعها من أمة كهذه ووطن كهذا. وقبله ومنذ سنوات ونحن نناشد ونتوسل أو نتسول حكوماتنا اللامسؤولة والعديمة الإحساس أن تنقذ حياة الشاعر الكبير محمد نعمان الحكيمي الذي يمدد المرض الخطير رجليه في جسده الضعيف ويتغول كل يوم دون جدوى، الشعراء بلا حزب ولا قبيلة ولا وطن إلا الذي تغنوا به ورسموه على الورق وفي مخيلاتهم لأنهم لم يجدوه في الواقع فقد صار مَزارعاً ومصانعاً وقصوراً لسدنة الجهل والفساد والظلام. أيها الناس هل تعلمون أن الشاعر ضمير الأمة إن مرض أو مات أو أهمل صارت الأمة بلا ضمير ولا قيم، يطفو فيها القبح ويخبو الجمال ويذبل الأمل ؟ ألم تشعروا بعدُ بذلك ؟ إن الأوطان تُعرف بمبدعيها لا بساستها وإن الساسة لا يُذكرون إلا إذا سكنوا بيوت الشعراء فهل كان سيف الدولة سيُذكر لولا المتنبي ؟ يحكى أن "ستالين" في أحد حروبه مع النازية ناشد الأمة الروسية أن تدافع عن وطن "بوشكين" و"تولستوي" لأنه كان يعي قيمة الأديب والمثقف والشاعر والروائي ويعرف قيمة حياته، ولم يقل دافعوا عن وطن ستالين ، كل أمة يجوع فيها المبدع وتجلده سياط الفقر والحاجة أمة عديمة الشرف وكل أمة تحترم وترعى مبدعيها أمة عظيمة. في جعبتي الكثير من الكلام والكثير من الحالات فكم من شاعرٍ مهدد بالطرد من منزله وكم روائي وصحفي طرد بالفعل! وكم شاعر ألقى بالقلم وحمل الحجارة بعد أن باع مكتبته وكل ما يملك من أجل قوت أطفاله، وحين تقولون المعاناة تولّد الإبداع سأقول نعم : لكنها معاناة الإحساس بالناس لا معاناة الجوع والتشرد لأنها تفقده الإحساس وتفقده الإبداع والرغبة في الحياة. المبدعون يجرحهم النسيم فكيف بهم وقد أصبحوا وقوداً وحطباً للجوع والذل والتهميش يموتون مرضاً وبؤساً وقهراً من نظرات أطفالهم وينتحرون بالكبرياء والصمت. كل أمة يحدث لمبدعيها ما يحدث لمبدعي اليمن سيلعنها التاريخ ويلعن حكامها وسيصفها بالأمة المتبلدة ، أدركوهم قبل أن يدرككم التاريخ بلعناته وبُصاقه. اذكروهم لتُذكروا في صفحات العظماء معهم أو ستُنسون كما تناسيتموهم وتركتموهم فريسة للموت والعناء. المبدعون هم رصيد أوطانهم من الأمل والنور والأحلام إن خسرتموهم خسرتم كل ذلك. فالتاريخ لا يرحم والقلم لا يسامح قاتليه. أقول قولي هذا، "وعداوة الشعراء بئس المقتنى" زين العابدين الضبيبي *من صفحة الدكتور المقالح في الفيس بوك
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص