انقسم السكان الأوائل للأميركتين إلى مجموعتين قبل أكثر من 130,000 سنة مضت، ولم يختلط السكان مرة أخرى إلا بعد آلاف السنين، أما لماذا انقسموا أساسا؟ فهو سر غامض الذي يسعى إلى حله بحث علمي جديد نشرت تفاصيله صحيفة "نيويورك تايمز".
صورة معقدة للهجرات البشرية
كشفت اختبارات الحمض النووي أن مجموعتي السكان اجتمعتا مرة أخرى وبدأتا الاختلاط. واليوم، يعيش أحفادهم في منطقة شاسعة تمتد من المكسيك في الشمال إلى الطرف الجنوبي لأميركا الجنوبية.
ويرسم البحث العلمي، الذي تم نشر نتائجه أيضاً في مجلة "Science"، صورة معقدة للهجرات البشرية عبر الأميركتين.
فعندما وصل السكان إلى نصف الكرة الغربي قادمين من آسيا، قاموا بالانتقال إلى مناطق جديدة والاستقرار بها حيث انتشروا في الأمريكتين ببساطة.
أظهرت نتائج الدراسة التي أجريت على 91 جينوماً قديماً لأشخاص عاشوا منذ 4800 عام فيما يعرف الآن بألاسكا وكاليفورنيا وأونتاريو، أنهم يمثلون إضافة رئيسية إلى فهرست الحمض النووي القديم في نصف الكرة الغربي.
كما قدمت المواقع الأثرية الكثير من الأدلة على انتشار الناس في جميع أنحاء الأميركتين. وهناك أدلة أثرية دامغة على أن السكان وصلوا إلى جنوب تشيلي قبل 14500 سنة.
تساؤلات بدون إجابات
ومع ذلك ترك علم الآثار وحده العديد من الأسئلة دون إجابة، مثل من عاش بالضبط في تلك المواقع المبكرة، وكيف كانت تلك الأماكن مرتبطة ببعضها بعضا. ويسعى علماء الوراثة إلى الإجابة عن بعض هذه الأسئلة من خلال النظر إلى الحمض النووي للأميركيين الأصليين ممن يعيشون الآن.
أرجحت الدراسات المبكرة على أجزاء صغيرة من الجينات أن جميع الأميركيين الأصليين في جنوبي القطب الشمالي ينحدرون من نفس المجموعة من المهاجرين، الذين ربما يكونون قد سافروا عبر جسر بيرينغ لاند، الذي يربط آسيا بما يعرف الآن بألاسكا في نهاية العصر الجليدي الأخير.
فحص عظام ورفات 91 شخصا
في الدراسة الجديدة، أجرت دكتور كريستيانا شيب، وهي مؤلفة مشاركة أخرى في الدراسة الجديدة والتي ترأس الآن مجموعة أبحاث الحمض النووي القديمة، في جامعة تارتو، في استونيا، بالإضافة إلى دكتور ريبان مالهي، عالم الوراثة في جامعة إلينوي والمؤلف المشارك للدراسة الجديدة، وزملاؤه في ورشة عمل في جامعة إلينوي، وزملاؤهم عن الحمض النووي في بقايا الهياكل العظمية والرفات بعد الحصول على التصاريح اللازمة لإجراء الدراسة وكذلك موافقة القبائل المعنية. ونجحوا في العثور على مادة وراثية في الأسنان وعظام الأذن لـ 91 شخصاً.
شجرة عائلة محيرة
ثم قارن الباحثون البيانات الجديدة بالمعلومات الجينية المتاحة للعموم حول أشخاص آخرين - سواء كانوا أحياء أو قدامى - في أميركا الشمالية والجنوبية.
كما نظر العلماء في الحمض النووي من المجتمعات في آسيا للأقارب المقربين.
وفي بداية الأمر، كانت شجرة العائلة التي نتجت محيرة، مما يشير إلى روابط جينية وثيقة بين الناس الذين لهم علاقة بعيدة.
ومع مزيد من البحث في البيانات، خلص الباحثون إلى أن الأميركيين الأصليين الأحياء ينحدرون من أناس من الآسيويين، الذين انتقلوا إلى ألاسكا ثم توسعوا جنوباً، على الأرجح على طول الساحل.
مجموعة ANC-A وANC-B
وبعد ذلك بقليل، انقسم السكان الأصليون إلى مجموعتين، الذين تطلق عليهم دكتور شيب وزملاؤها ANC-A وANC-B.
وأقدم جينوم موجود في الأميركتين، هو لصبي عمره 13000 عام، عثر عليه في مونتانا، وينتمي إلى ANC-A. وبحلول ذلك الوقت، يجب أن تكون المجموعات قد انقسمت بالفعل إلى قسمين.
في حين أن أقدم دليل على ANC-B، من جهة أخرى، يأتي من هيكل عظمي عمره 8500 عام اكتُشف في ولاية واشنطن يُعرف باسم "كنويك مان" Kennewick Man، أو "الإنسان القديم".
وفي مرحلة ما، يجب على الأقل أن يكون عدد قليل من أفراد ANC-B قد انتقلوا بعيداً إلى الشرق، حيث وجدت دكتور شيب وزملاؤها أن الناس يبلغون من العمر 4800 عام، فيما يعرف الآن بجنوب أونتاريو، ينتمون إلى ANC-B. وبمجرد وصولهم، وضع هؤلاء الناس جذوراً.
كما ينتمي الأشخاص الناطقون بلغة الغونكوين Algonquin الذين يعيشون اليوم في أونتاريو إلى ANC-B.
لكن عندما نظر العلماء في الحمض النووي من الناس في كاليفورنيا وأبعد جنوباً، فقد فوجئوا باكتشاف خليطا A-ANC وANC-B.
والدليل على هذا الخليط يأتي من الناس الذين عاشوا قبل 4500 سنة على ما يسمى الآن تشانيل أيلاندس، قبالة ساحل كاليفورنيا.
كان هؤلاء الأشخاص 58% من الـ ANC-A و42% من الـ ANC-B.
ووجد الباحثون خلائط DNA مماثلة لدى الأشخاص الأحياء في المكسيك وأميركا الجنوبية.
سيناريوهات محتملة
وقد طرحت شيب وزملاؤها بعض السيناريوهات التي قد تفسر هذه النتائج، فمن الممكن أن يتحرك شعب ANC-A إلى الساحل الغربي للأميركتين، ليقيم مجتمعات الصيد على طول الطريق.
وبعد مرور آلاف السنين، توسعت مجموعة من الناس تنحدر من المجموعة ANC-B جنوباً، واتخذت اتصالات مع تلك المجتمعات.
وهناك احتمال آخر هو أن المجموعتين تجمعتا في مكان ما في أميركا الشمالية في وقت لاحق ومن ثم توسع أحفادهم عبر القارتين.