حضرموت: أجيال متعاقبة تتمسك بـ«طقوس العيد»

برغم المتغيرات المتسارعة التي فُرِضَت على الأنماط المعيشية والسلوكية للمجتمعات العربية في مناسباتها وأعيادها الدينية والوطنية، إلا أن الحضارم ما زالوا متمسكين بتراثهم، وما زالوا يمارسون طقوسهم التي تميزهم عن سواهم من الشعوب العربية والمسلمة، سواءاً أكانوا يعيشون في حضرموت أو خارجها. وحتى يومنا هذا يحتفل الحضارم بمناسبة عيد الأضحى المبارك بطقوس خاصة يتوارثها الأجيال، وإن طرأ على بعض تلك الطقوس تغيير في الأسلوب أو المسمى. وبحسب مراقبين، فإن معظم مظاهر وطقوس الاحتفال بعيد الأضحى المبارك مشتركة بين أهالي مناطق الوادي والصحراء، كالزيارات العيدية التي تسمى بـ«العواد»، والأكلات والحلويات، إضافة إلى الرقصات الاحتفائية، في حين أن بعض المظاهر في مناطق الساحل الحضرمي تختلف عن الوادي. عراقة الوادي ويشير الناشط الحضرمي علي بامخرمه إلى أن «أهالي مناطق وادي حضرموت يحتفلون بالعيد منذ دخول العشر الأوائل من ذي الحجة بطقوس خاصة»، مضيفاً «يبدأ الاحتفال بالعيد من يوم السابع من ذي الحجة، والذي يسمى بـ،يوم الحطب، وهو يوم يخرج الشباب فيه للتنزه في الوديان والجبال، وفي يوم الثامن من ذي الحجة والذي يسمى بيوم الصغيرين، يجلس رب الاسرة مع الأطفال وبقية أفراد الأسرة في المنزل للتشاور والتخطيط كيف سيتم قضاء بقية أيام العيد، وفي اليوم التاسع من ذي الحجة، تقوم العائلات بالتحضير ليوم العيد، من خلال تجهيز المشروبات والمرطبات والحلويات وشراء الأضاحي، وتنظيف البيوت والمنازل والشوارع المحيطة بالمنطقة، وفي اليوم العاشر وهو يوم العيد، يخرج الرجال والنساء والأطفال إلى المصلى لتأدية صلاة العيد، وذبح الأضاحي، وتبادل الزيارات». ويرى بامخرمه أن «مظاهر الاحتفال بعيد الأضحى في ذات مناطق وادي حضرموت تختلف من منطقة إلى أخرى، ففي مدينة تريم، إحدى أهم مدن الوادي، يبدأ الأهالي باستقبال عيد الأضحى من يوم السابع من ذي الحجة، والذي يسمى بيوم الصغيرين (المداد)، وهو يوم للتسلية والمرح، وفي يوم الثامن من ذي الحجة يلبس الأطفال أجمل الملابس ويستمعون في المنازل لحكايا وقصص يسردها الاباء عن الأجداد، وتسمى تلك الليلة بـ، ليلة الحياء»، ويوضح أن إحياء تلك الليلة يتم «بالعبادة والقيام والتهيئة لتناول السحور لصيام اليوم الثاني، وهو يوم التاسع من ذي الحجة يوم عرفة، وفيه تعلوا أصوات التكبير مساجد تريم، ويصوم فيه أهالي المدينة، وفيه يتشبهون بحجاج بيت الله الحرام الواقفون بالمشاعر المقدسة في عرفات، حيث يجتمعون في المساجد مرتدين ملابس بيضاء اللون، ويقرأون القرءان و الأذكار، وفي يوم العاشر من ذي الحجه يخرج أهالي تريم لصلاة العيد وذبح الأضاحي وزيارات الأهل والأرحام، وفي فترة العصر تنظم سباقات ترفيهية». المكلا غير! وعن مظاهر وطقوس الاحتفال بالعيد في مناطق الساحل، وبالتحديد مدينة المكلا، يقول الباحث الاجتماعي عبدالله باحبيش: «يبدأ العيد بصلاة العيد التي تسمى في المكلا بصلاة الزينة»، ومن ثم يتبادل الأهالي الزيارات، ويتابع «في فترة العصر تقام فعاليات متنوعة للكبار والاطفال بالساحات العامة، فتعرض بها لوحات تراثية وفنية ومسابقات حركية تدخل البهجة والفرحة للناس، بينما تذهب بعض العوائل الى الخور والشواطئ و الحدائق والمتنزهات».  ومن الألعاب الشعبية التي ما يزال الكبار يؤدونها في أيام العيد، «المطلع الشبواني ». ، ويرى محمد العيدروس أحد ساكني المكلا، أن «هناك عادات وتقاليد أصبحت موروثاً شعبياً و تراثياً في المكلا، ولكنها للأسف بدأت بالاندثار تدريجياً»، مضيفاً «يجب أن لا نتساهل في هذا الامر، على مكاتب الثقافة والجهات المعنية التنبه وتنظيم مهرجانات وفعاليات عيدية تساهم في الحفاظ على التراث، يجب أن يتعلم الجيل الجديد كيف كان أجدادهم يعبرون عن فرحهم بالعيد من خلال الرقصات والأهازيج الجميلة، فما يميز الحضارم هو إعتزازهم بهويتهم». حتى المغتربين ومثلما هم في أراضيهم، يتمسك الحضارم القاطنين في دول الاغتراب بعاداتهم وتقاليدهم الأصيلة خلال أيام العيد، وعن ذلك يؤكد الناشط الحضرمي المقيم في مدينة جدة أحمد بن محفوظ، أن «الحضارم المقيمين في السعودية برغم مرور ثالث جيل كعائلته، فما زالوا محافظين على نفس العادات والتقاليد». ويقول بن محفوظ ، إنه «حتى الحضارم المغتربين منذ سنين في دول أجنبية ما يزالوا متمسكين بعاداتهم، فأنا جلست مع شخص حضرمي من مواليد الهند، هاجر أجداده للهند من 200 عام، وعندما تحدثتُ معه عن حضارم الهند تعجبت، وجدت أنهم برغم عدم تحدثهم اللغة العربية بوضوح، فما يزالون يتمسكون بالتراث الحضرمي، وحتى الأكلات والمشروبات الحضرمية التي يقبل عليها الناس في الاعياد كالمضبي والمندي». وفي ماليزيا، يرى الباحث الحضرمي عمر مختار، أن «حضارم ماليزيا، ليسوا بأقل من نظرائهم تمسكاً بعادات وتقاليد أسلافهم وأجدادهم». و يقول مختار: «لكم أن تتخيلوا كيف يتمسك الحضارم هنا بأبسط الطقوس، ففي الزيارات العيدية التي تعرف بالعواد، نطبق المثل القائل (لا قعود الأبعد عود)؛ ففي حضرموت عادة ما يقدم البخور والعود للضيف في نهاية وقت الزيارة، أي قبل مغادرة الضيف بوقت يسير، والغرض من ذلك بقاء رائحة العود الزكية ثابتة عند خروج الضيف إلى منزل آخر، وحتى ان الحضارم في ماليزيا ما يزالوا متمسكين بمسميات أيام عيد الاضحى، والتي ما تزال تردد مصطلحاتها حتى اليوم مثل المساقوفة، والتي تعني ليلة وقفة عرفات وغيرها، وكذلك الحال في الطقوس التي يمارسها الأطفال». *العربي
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص