في يومه العالمي.. السرطان لم يعد قاتلا

"كان عمري 15 عاما عندما شعرت بالورم في حلقي، ولم أفهم آنذاك سبب الرعب الذي رأيته في عيون والدي، ونظراتهم الحانية إلي ونحن في طريقنا لمركز الحسين للسرطان لأخذ خزعة من جسدي الغض والتعرف على ماهية هذا الجسم الغريب الذي هاجمني فجأة وأدخلني في حالة غيبوبة ليومين كاملين" بهذه الكلمات يصف الشاب ماجد أبو سمرة بداية رحلته مع مرض السرطان التي استمرت لعامين.

تفاصيل مرحلة جديدة من حياته يرويها أبو سمرة (20 عاما) للجزيرة نت، بدأت باكتشاف إصابته بمرض سرطان الغدد اللمفاوية، قائلا "كان ذلك من أسوأ المواقف التي يُمكن أن يمُّر بها أي إنسان، عندما أخبرني والدي بحقيقة مرضي".

وقال "رغم عدم إدراكي حينها لمعنى أن أصاب بهذا الشيء، انهرتُ باكياً ظنا مني بأنني سأموت، وكُلّ من حولي يحاولون تهدئتي، وإقناعي بأن العلاج سينجيني، وبدأت بالعلاج الكيمائي فعلا برفقة والدي بداية قبل أن أطلب منه أن أذهب لوحدي، لأني اكتشفت أن القوة الحقيقية التي تحمينا في مواجهة شيء كالسرطان هي ممارسةُ الحياة بشكلٍ طبيعي، كأنّ ما نعاني منه ليس سوى مرضٍ عابرٍ كالزكام أو أكثر بقليل، فالسرطان لا يعني الموت، وأثق أنه بالإرادة والصبر ودعم الأحبة سنتغلّب عليه".

ويردف "لا زلت أذكر تفاصيل غرفة الكيميائي في مركز الحسين للسرطان التي لازمْتُها بشكل مكثف أول ستة شهور من رحلة العلاج، ومزاح الممرضات أثناء الجرعة حتى يمضي الوقت سريعا دون الشعور بالكيميائي يتسلل إلى عروقي، وكيف بددت طبيبتي فيحاء البزة فزعي حينما تساقط شعري وتأكيدها على أني سأصبح أجمل لدى انتهاء الجرعات الكيميائية، وتلك البشرى التي زفتها الدكتورة البزة حين أكدت بأني نجحت أخيرا بصبري ورباطة جأشي في قهر الخلايا الخبيثة نهائيا".

أبو سمرة أكد أن انتصاره في معركته ضد المرض غيرت نظرته للحياة (الجزيرة)

انتصار
ويؤكد "محارب السرطان" -كما يصفه أصدقاؤه- للجزيرة نت أن انتصاره في معركته ضد المرض غيرت نظرته إلى الحياة وشحذت همته للنجاح واستغلال كل لحظة من عمره لدعم محب ومساعدة صديق وقول كلمة حق في وجه باطل.

واليوم يجلس المحارب أبو سمرة على مقاعد كلية الاقتصاد بجامعة الإسراء لينهل من علمها صباحا لينطلق إلى شغفه وحبه الأول لعبة البولينغ مساء، ليمارس تدريباته مع المنتخب الوطني الأردني استعدادا لإحدى البطولات المحلية.    

ويحتفل الاثنين 4 فبراير/شباط باليوم العالمي للسرطان، وشعاره هذا العام "أنا قادر وسوف أفعل" (I am and I will).  

وبهذا السياق، كان لا بد من الحديث مع "رفيقة الرحلة" كما يحب أن يصفها أبو سمرة، الدكتورة فيحاء البزة استشارية أورام الأطفال والمختصة بمرض الليمفوما في مركز الحسين للسرطان التي بدورها قالت للجزيرة نت إن الجانب النفسي والمعنويات المرتفعة والطاقة الإيجابية إلى جانب التقدم العلمي في علاج مختلف أنواع السرطان ساهم بشكل محوري في انتصار أبو سمرة.

وبينت أنها تتبع آلية حذرة في التعامل مع المعلومة وطريقة إيصالها للمرضى وذويهم عن مرحلة المرض ومدة العلاج وطريقته، إذ إنه يتم عبر ثلاث قنوات (الكيميائي، الإشعاعي، الجراحي) متحرية الصدق في وصف حالة المصاب دون إحباط معنوياته.

وتسعى البزة للتواصل مع مرضاها طوال الوقت وخارج حدود مركز الحسين عبر وسائل التواصل لإضفاء صبغة الأخوة والصداقة على العلاقة بينهم، وخاصة بعد أن نجحت هذه الطريقة في بناء ثقة متبادلة بين الطرفين كما أثرت بشكل إيجابي على تحفيز المرضى للعلاج، على حد تعبيرها.

 

علاجات جديدة
من جانبه، يؤكد مدير عام مركز الحسين للسرطان الدكتور عاصم منصور للجزيرة نت أن هذا المرض غدا غير قاتل، فالتطور الهائل والمتسارع بمجال الطب ساهم في إيجاد علاج لمعظم أنواع السرطان على المستويين العالمي والعربي، وحقق نسبة نجاح عالية في القضاء على المرض، لافتا إلا أن هناك 44 مليون حالة حول العالم شفيت تماما حتى نهاية عام 2018.

وأضاف منصور أن نسب الشفاء لبعض أنواع السرطان باتت تناهز 70% كسرطان الدم عند الأطفال وسرطان الثدي والذي يعد من الأنواع الأكثر انتشارا يليه سرطان الرئة وسرطان الغدد اللمفاوية وسرطان البروستات وسرطان الغدة الدرقية وسرطان الرحم. وقد ترتفع لنحو 90% في حال الكشف المبكر وفقا لإحدى الدراسات الصادرة عن السجل المؤسسي للسرطان التابع للمركز.

وقد أصبحت العلاجات الحديثة قادرة على تحويل الأنواع الخطيرة للسرطان إلى مرض مزمن قابل للعلاج -يقول مدير مركز الحسين- تماما كما هو الحال بالنسبة لارتفاع ضغط الدم والسكري وغيرها من الأمراض المزمنة التي يمكن التعايش معها لسنوات، ثم التعامل معها عبر علاجات أخرى تفضي للشفاء التام.

"الطب الدقيق"
وذهب الدكتور منصور إلى اعتبار أن الاتجاه الجديد في التعامل مع هذا المرض سيغير "وجه السرطان في العالم" الفترة القادمة من خلال ما يعرف بالطب "الدقيق أو الشخصي" الذي لا يختزل العلاج من خلال نجاحه على عينة من المرضى، بل يعتمد على استهداف الطفرات الجينية في الخلايا السرطانية بدلا من موقعها التشريحي في جسد المصاب.

 

التشخيص المبكر
وينوه مدير مركز الحسين في حديثه للجزيرة نت إلى دور الكشف المبكر في زيادة نسبة الشفاء لنحو 90% من حالات السرطان، فبرأيه أن التشخيص المبكر يساهم في الكشف عن الخلايا المعطوبة قبل أن تتحول إلى أنسجة خبيثة، مما يمنح المرضى فرصا أكبر للشفاء، ويحول دون تعرضهم للكثير من الآلام والأعراض المرتبطة بالمرض.

كما تطرق إلى أهمية تغيير نمط الحياة، ودور ذلك في القضاء على عوامل الخطورة التي تؤدي إلى الإصابة بالسرطان من خلال اتباع أسلوب حياة صحي، إذ إن تناول الأطعمة المفيدة وممارسة الرياضة والابتعاد عن التدخين يحمي من الإصابة بنسبة 60% من بعض أنواع السرطان المتعلقة بأسلوب حياة الأفراد، وفقا لقوله.

ويكشف منصور عن وجود تطبيقات وبرامج مخصصة ترصد بوادر المرض -بالاستناد إلى البيانات المحصلة من أجهزة الهواتف الذكية- وتوجه للأشخاص الأكثر عرضة للإصابة بالسرطان عبر تتبع التاريخ المرضي لأسرهم ورصد أسلوب حياتهم وسلوكهم، مشيرا إلى أن العديد من الدول المتقدمة بدأت بتطبيقها على أرض الواقع، وستنطلق في الأردن قريبا عبر مركز الحسين للسرطان.

إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص