تعتبر مدينة “زبيد” الواقعة في محافظة الحديدة غرب اليمن من أهم حواضر العالم العربي الأثرية، وبالإضافة إلى تاريخها العريق فإن أهميتها تنبع من موقعها الجغرافي الاستراتيجي، بسبب قربها من البحر الأحمر غرباً، وسلسلة من الجبال الشامخة شرقاً، وتوسطها لسهل وادي تهامة الخصيب. وقد عُرفت “زبيد” بأسماء متعددة منها: الحصيب، ومدينة العلم والعلماء، وأكسفورد الشرق، والمدينة المدورة، لأنها دائرية التخطيط ومحصنة بسور كبير وخمسة أبواب، كل باب كان يؤدي وظيفة محددة وتدخل وتخرج منه قبائل معينة، وفقاً لقوانين منظمة غير مكتوبة فرضتها سلطات متعاقبة حكمت «زبيد» المدينة التي شهدت ازدهاراً في كافة مجالات الحياة، وهو الأمر الذي أهلها لتكون عاصمة لليمن طيلة ثلاثة قرون. وبناءً على تلك المقومات فقد صُنفت ضمن معالم التراث الإنساني العالمي من قِبل “اليونسكو”.
لماذا وجدت الأبواب؟
بلغ إجمالي مساحة مدينة “زبيد” 245 هكتار منها 92 هكتار، مساحة المدينة التاريخية والمحددة داخل السور، وقد بُني سور مدينة “زبيد” القديمة من الطين، على يد مؤسس الدولة الزيادية في القرن الثالث الهجري وتم تجديد هذا السور وأضيفت إليه إضافات أخرى في عهد عدة دويلات متعاقبة، حتى تعرض للهدم في عهد الدولة العثمانية سنة 1045هـ، ثم أعيد بناؤه عام 1222هـ. أما أبواب زبيد الملاصقة لذلك السور فماتزال قائمة، كما يقول لـ”منصتي30″ أستاذ العمارة الإسلامية بكلية الآثار عبد الرحمن جارالله، ويضيف قائلاً “كانت أبواب مدينة زبيد تحظى باهتمام الحكام، لأهميتها في حماية المدينة والدفاع عنها من الاعتداءات الخارجية، ولأهداف أخرى متعلقة بنشاطات اقتصادية ومناسبات دينية واجتماعية كانت تقام في ذلك الحين”.
مسميات الأبواب
تنقسم مدينة “زبيد” إلى أربعة أحياء، كل حي يسمى بـ”الربع”، واستمدت مسميات غالبية أبواب “زبيد” من التضاريس والمعالم الجغرافية للمدينة، ومن الاتجاه الذي يفتح عليه الباب. ووفقاً لحديث الباحث في التراث الزبيدي آدم محجب ، وكتاب “الاستحكامات الحربية بمدينة زبيد”، للباحث عبدالله الحداد، فإن أبواب مدينة زبيد، تنقسم إلى خمسة أبواب، هي:
باب سهام: وهو الباب الرئيسي لمدينة زبيد ويقع في شمالها، وقد سمي نسبة إلى وادي “سهام”، ووصفه ابن الديبع بأنه «كان وجه المدينة وغرتها»، وعبر هذا الباب كانت تدخل إلى “زبيد” قبائل المعازبة وقبائل وادي رماع والقحمة وفشال والياميين. وحالياً يقع هذا الباب بالقرب من حي “ربع العلي” أو “ربع الأعلى” المسمى “الحصيب” نسبة إلى الحصيب بن عبد شمس أحد أحفاد ملوك سبأ.
باب عدن أو القُرتب: ويقع إلى الجنوب ثم إلى قرية القرتب، وهي إحدى قرى وادي “زبيد” المشهورة والمندثرة قديماً، ويتكون الباب من مساحة طولها “52م” تضم بوابة يكتنفها من الجانبين دخلتان صغيرتان، الشرقية منها أكثر اتساعاً، وعبر هذا الباب كانت تدخل إلى “زبيد” قبائل المعاصلة والزريعيون القادمون من “عدن” و”ظفار” للاستيلاء على “زبيد” وأيضاً كان يمر عبره طلبة العلم الشرعي من المذهب الحنفي القادمون من جنوب مدينة “زبيد” ومن محافظاتي “إب” و”تعز”. وحالياً يوجد هذا الباب بالقرب من حي “ربع الجِزِء”.
باب الشبارق أو المشرق: يقع شرق المدينة، وعُرف أيضاً بإسم باب “المجري”، وقد سمي باسم قرية “الشبارق”، وهي إحدى قرى وادي “زبيد” المشهورة، وعبر هذا الباب كانت تدخل إلى “زبيد” قبائل تهامية كقبيلة السوح و الركب، ويتقدم باب “الشبارق” مساحة كبيرة خالية من العمران يتراوح اتساعها من 60، إلى 70م يليها من جهة الشرق جزء من خندق، دفن معظمه، ولم يتبقّ منه سوى متران، محصوران بين مساحة تتقدم باب “الشبارق” ومضخة للمياه. في الوقت الحاضر يتواجد هذا الباب بالقرب من حي “ربع المْجنبذ”.
باب النخل أو باب المغرب: يقع غرب المدينة وقد سمي بذلك نسبة إلى نخل وادي “زبيد” القريب من البحر، وكان قديماً يسمى باب “غلافقة” نسبة إلى ميناء “غلافقة” الذي كان يقع على ساحل البحر الأحمر، ويتكون هذا الباب من مساحة طولها “63م”، تضم بوابة ذات برج واحد وثكنتين مشابهتين لثكنات بابي “الشبارق” و”سهام”، ويتميز هذا الباب بأن اتجاهه غير مباشر مثل باقي أبواب “زبيد”، وإنما يتجه نحو الشمال بدلاً من اتجاهه نحو الغرب، مما أعطى البوابة شكلاً منكسراً من الخارج. عبر هذا الباب كانت تدخل إلى زبيد الوفود المرسلة إلى ملوك الدولة الرسولية من قبل إمبراطوريات الصين والهند، وكانت تلك الوفود تحمل معها الهدايا، والبضائع المستوردة، ويتواجد هذا الباب في الوقت الحاضر بالقرب من حي “رْبع الجامع”.
باب النصر أو باب قلعة زبيد: ويقع في الجنوب الشرقي حيث القلعة المعروفة بالدار الناصري الكبير والتي أنشئت في عهد الملك الناصر احمد الرسولي سنة 828هـ، وعبر هذا الباب كان يدخل الملوك والسلاطين والأمراء إلى القصور الشامخة مكان إقامتهم ومكان دار الحكم، وترجع تسمية باب النصر بهذا الاسم إلى أيام حكم الأئمة الزيديين، حيث كانت تقام احتفالات يوم النصر في عهد الإمام أحمد وأبيه. وهناك أبواب قديمة قد تهدمت كباب “الشام” الذي كان يدخله الحجاج ويخرج منه الموتى.
إهمال متعمد
يشير المؤرخ عرفات الحضرمي في كتابه “التحقيقات العلية”، إلى أن “سور مدينة زبيد كانت تتخلله مائة وتسعة أبراج، وكانت بجواره نوبات حراسة تسمى بـ”القشلة”، وهي مبنية بالياجور، وتستخدم لحراسة سور مدينة زبيد من التخريب أو الاعتداء. وتنقسم النوبات إلى: نوبة الكدف، نوبة شبيط، نوبة الجربة، نوبة أبوحسين، نوبة الغصينية، نوبة الصديقية”. لكن أجزاء من سور مدينة زبيد القديمة تعرض لتخريب متعمد، كما تهدمت أجزاء كبيرة منه بسبب التقلبات المناخية، خلال الفترات الماضية. بالمقابل ظلت أبواب المدينة شامخة، وماتزال توجد بالقرب منها ساحات لتجمع الناس، وتبادل وبيع البضائع التجارية.
يقول عرفات الحضرمي، وهو رئيس دار المخطوطات في “زبيد” بأن “تلك الأبواب كانت تحظى بعناية واهتمام بالغ من قبل الدول المتعاقبة وأهالي المدينة وحتى السياح الأجانب، حيث كان عدد زائري تلك الأبواب من السائحين سنوياً يتجاوز 150ألف، لكن الأبواب الآن أصبحت مهملة وفي طي النسيان”، يشاطره في الرأي الصحفي الزبيدي محمد مهدي، إذ يقول ، إن “المجتمع الزبيدي يعشق تراثه وموروثاته، ويتمنى بأن لا تندثر معالمه التاريخية، بل إن بعض الأسر، تتمنى البناء بمواد البناء القديمة للمدينة وبنفس الطابع المعماري، كونها مواكبة لتغيرات تضاريس المدينة صيفاً وشتاءً، ولكن تظل أمام أبناء مدينة زبيد معوقات ارتفاع تكلفة شراء المواد التي من خلالها يتم بناء المنازل على نمط المنازل القديمة”.
*نقلا عن منصتي30