خصصت صحيفة “نيويورك تايمز” افتتاحيتها لموضوع فيروس كورنا ” ها هو وباء فيروس كورونا قد جاء”. وقالت إن العالم يواجه النار بعد محاولاته تجاهلها.
وجاء فيها إن العالم في عام 2002 واجه موجة سارز واعتبر قفزة مصيرية من الخفافيش إلى القطط وإلى الإنسان حيث حذر خبراء الصحة العالمية إلى أنه نذيرا للأشياء القادمة: فالتغيرات المناخية والعولمة تتعاونان من أجل جعل أمراض الحيوانات تتحول بسهولة لكي تصبح أمراضا بشرية جديدة. والمسألة هي مسألة وقت عندما يتحول مرض منها إلى كارثي قبل يتحرك العالم لكي يحرف الآثار السيئة، هذا لو بدأ بالتخطيط المبكر له.
وتم احتواء مرض سارز بشكل سريع لأن الفيروس كان قاتلا بدرجة يمكن اكتشافه بسهولة. واختفى المرض من الوعي الإنساني ومعه تراجعت الحالة الملحة لمواجهة دورات قاتلة في المستقبل. وفي عام 2009 عندما ظهرت إنفلونزا الخنازير أول مرة في الولايات المتحدة لاحق الباحثون أصل المرض إلى مزرعة خنازير في المكسيك، ودعا الباحثون إلى أهمية إعداد خطة طويلة الأمد، خطة فاعلة وليست ردا على وضع. ومرة أخرى اختفت الأخبار وكذا تبادل الإتهامات. ومرة أخرى كانت موجة إنفلونزا الخنازير خفيفة واختفت مرة أخرى من اهتمام الرأي العام. وعادت مرة أخرى لعبة الفزع والنسيان عام 2014 مع انتشار مرض إيبولا في غرب إفريقيا. وقام الرئيس باراك أوباما بإنشاء مكتب جديد وصندوق طوارئ لتحسين الرد الفدرالي وجهودها. وقامت إدارته بالإعلان عن مبادرة دولية لمساعدة الدول التي تعتبر أكثر عرضة لمخاطر المرض والفقيرة لتكون مستعدة لمواجهة موجات جديدة. وبحلول عام 2018 توقف التقدم الذي حصل. وتم حل المبادرة ووقف الصندوق حتى مع اندلاع موجة جديدة لأيبولا في جمهورية الكونغو الديمقراطية.
وها نحن أمام موجة جديدة، ففي كانون الأول (ديسمبر) اندلعت موجة جديدة لفيروس سارز- سي أو في-2 حيث قفز من الحيوان إلى الإنسان. وأصاب الفيروس حتى الآن 83.000 حول العالم في أكثر من 50 دولة. ومات حتى الآن 3.000 شخصا معظمهم في الصين حيث انتشر المرض. ومرة أخرى دق خبراء الصحة العالمية ناقوس الجرس. ولا أحد يعرف الوضع وسوئه هذه المرة. فمرض كوفيد-19 الذي يتسبب به الفيروس يعد قاتلا بنسبة 7- 20 من حالات البرد الموسمية والتي تقتل على مستوى العالم ما بين 300.000- 650.000 شخصا. ولكن هذه الوفيات قد تبدو متواضعة لو تبين أن الكثير من الحالات المتواضعة لم يتم الكشف عنها. وهذا لا يعني أن سارز سي أو في-2 انتشر بسهولة أفضل من سارز والبرد الموسمي ومن الصعب اكتشافه. وهو نوع من الفيروس الذي يصعب احتواؤه حتى في أحسن الأوضاع. والعالم ليس في وضع أفضل السيناريوهات لكي يواجه المرض. فتصاعد القومية وتراجع الثقة والحروب التجارية كلها قوضت التعاون بين القوى العظمى. كل هذا وسط استشراء عمليات التضليل وتنامي الشك في العلم الذي يعرقل فهم الرأي العام للأزمة ورد الحكومات عليها. وترى الصحيفة أن الولايات المتحدة التي تواجه انتخابات رئاسية قامت بتسيس أولوية صحية. ففي يوم الثلاثاء قالت الدكتورة نانسي ميسنيور، مديرة المركز الوطني للحصانة وأمراض التنفس محذرة أن وباء عالميا بات محتوما، ودعت الرأي العام الأمريكي لتحضير نفسه لأثارها. وفي نفس اليوم قال رئيسها دونالد ترامب إن الأمور تحت السيطرة. وطلب ترامب ميزانية 2.5 مليار دولار لمواجهة كوفيد-19 وهو مبلغ أقل من ذلك الذي طلبه الخبراء، 15 مليار دولار. وقام ترامب باختيار نائبه مايك بنس، الذي فشل كحاكم لولاية إنديانا بالرد على اندلاع موجة أتش أي في والتي أدت لحالات إصابة كان من الممكن منعها. واستبعد ترامب الدكتور أنتوني فوشي، الذي يعد من أطول المدراء الذين عملوا في المعهد الوطني للحساسية والأمراض المعدية. وقاد البلاد منذ عام 1984 في كل وضع واجهت فيه انتشار مرض معد. وهناك إمكانية لأن يكون مرض كوفيد-19 مجرد اختبار نار وليس نيرانا حقيقية، فانتشاره على مستوى العالم بات حقيقة إلا أن الكثير من الأمور المجهولة حوله: فهل سيكون المرض معديا ولكن بدرجة متواضعة أو قاتلا بدرجة أقل من الفزع الحالي؟ وهل سيظهر ميلا للتراجع مع حلول المواسم الدافئة؟ وهل سيتمكن الباحثون من انتاج حقنة له بشكل سريع؟ ويقول فوشي إن لقاحا قد يكون متوفرا في شهرين وسيطرح في السوق بعد عام. وستؤدي تطورات هذه لكسر حالة الخوف حول العالم والأسواق المتراجعة بسبب انتشاره. ولو انخفض مستوى الخوف الأشهر القادمة وهو ما لم يتوقعه الباحثون فعلي العالم تذكر ما نسيه في موجات سابقة. وهو ظهور عامل مسبب للمرض وقد يكون أكثر خطورة من الذي سبقته. ولو كنا غير محظوظين فسيكون الأسوأ الذي تشهده الإنسانية في ذاكرتها. وما هو واضح بالتأكيد، فرغم التحذيرات في السنوات السابقة لا نزال غير مستعدين لمواجهة موجات من الأوبئة. وليس في الصين التي تواصل فيها الأسواق وبعد عقدين من سارز تبيع الحيوانات الحية فيما يواصل النظام المستبد يعرقل نشر المعلومات الحقيقية حول مرض معد. وليس في إفريقيا التي لا تزال تفتقد السلطات الصحية القدرة على مواجهة الأزمات وتعاني دولها من الإضطرابات والعنف. ولا في الولايات المتحدة التي فقدت إلتزامها لمواجهة الوباء بسبب القطع في الميزانية وصعود القومية. صحيح أن تقدما قد حصل في انتاج اللقاحات وبسرعة لم يشهدها التاريخ. في وقت صححت فيه منظمة الصحة العالمية الكثير من مظاهر القصور السابقة التي عرقلت ردها على موجات سابقة من الوباء. وفيما تخلت أمريكا عن دورها كقائد عالمي سارعت دول إفريقية وأوروبية لملء الفراغ الذي تركته. إلا أن كوفيد-19 يعني أن هناك الكثير مما يجب فعله. وترى الصحيفة أن السلطات الفدرالية فشلت في الرد مباشرة على كوفيد-19 خاصة بما يتعلق بالإمدادات التي يجب توفيرها، الغذاء والدواء. وهناك حاجة للاستثمار في وزارات الحكومة الصحية، فهي تقف على جبهة المواجهة لي أي أزمة صحية. وهي تعاني من أزمة تمويل ومن ضغوط كبيرة وليس لدى الغالبية منها القدرة على الوقوف أمام وباء. فهي لا تستطيع القيام بالتشخيص السريع ولا ملاحقة المصابين أو توعية الرأي العام ومواجهة حملات التضليل بدون تمويل وقدرات بشرية. وتدعو الصحيفة أيضا إلى تمويل الوكالات الفدرالية، فمواجهة الوباء تعني توفير اللقاحات والمواد الطبية. وهناك حاجة للتشخيص المتقدم للأمراض ولا يمكن عمل هذا بدون البحث الفدرالي والرقابة. وتشير إلى أن ترامب في كل من رئاسته طالب بقطع التمويل عن مراكز أبحاث السيطرة على الأمراض ومنعها وعن معاهد الصحة الوطنية. وخفض البرامج التي تقوم بدراسة الأمراض المعدية في الدول النامية بما في ذلك التي تهدف لدراسة فيروسات مثل كوفيد-19. وثقول الصحيفة إن سياسة عزل أمريكا عن بقية الدول ليست ناجعة لأن المرض لا يحترم الحدود. وأحسن طريقة لمنع الوباء القادم هي مساعدة الدول الأخرى، مهما كانت لكي تكون قادرة على مقاومة عدو مشترك قبل أن تضطر أمريكا مواجهته على أراضيها.
إضافة تعليق