تسابق محموم على الأثير الإذاعي في اليمن!

لم يكن أحد يتوقع أن يصل عدد الإذاعات المحلية في مختلف المناطق اليمنية خلال فترة الحرب الحالية إلى أكثر من 60 إذاعة، ولم يكن من المتوقع أن تشهد تلك الإذاعات ازدهاراً ملفتاً، ومتابعة كبيرة من قبل اليمنيين رغم الظروف السيئة التي يعاني منها اليمنيين، الأمر الذي دفع الكثيرين إلى التساؤل: عن أسباب التسابق المحموم على الأثير في اليمن في هذا التوقيت، وعن إيجابياته وسلبياته، وكيف سيكون مستقبله؟ بالتزامن مع التطور الهائل في وسائل الاتصال والإعلام الرقمي والفضائي.

في السلم والحرب

بدأ الإرسال الإذاعي في اليمن لأول مرة عام 1940في مدينة عدن، وفي صنعاء عام 1947، وعند استقلال اليمن الجنوبي عن الاحتلال البريطاني عام 1967 بدأ بث إذاعة المكلا، وبعد قيام الوحدة اليمنية عام 1990 تم افتتاح إذاعة الحديدة، وفي عام 2004 افتتحت إذاعة حجة، ومن ثم إذاعة صعدة، وإذاعة إب، ولم يعرف اليمنيون الإذاعات غير الحكومية إلا في العام2010 حينها انطلق بث راديو” يمن اف ام”  من مدينة عدن كأول محطة (FM)، وفي العام2012 انطلق بث راديو “يمن تايمز” كأول محطة إذاعية مجتمعية في البلاد، وبعد العام 2011 تزايد عدد الإذاعات الحزبية والتجارية والمجتمعية، وعقب العام 2014 أوجدت الحرب طفرة في عدد الإذاعات المحلية في مختلف المناطق اليمنية وما تزال الإذاعات في تزايد.

ويعزو أستاذ الإذاعة والتلفزيون بكلية الإعلام د.عبد الباسط الحطامي انتشار المحطات الإذاعية في اليمن إلى جملة من الأسباب منها ما يخص المرسل ومنها ما يخص المستقبل، يقول الحطامي متحدثاً لـ”منصتي30″: بالنسبة لمستقبلي البث الإذاعي في اليمن فإن الناس لجؤوا في الآونة الاخيرة إلى استخدام جهاز الراديو كبديل عن التلفزيون بسبب انطفاء الكهرباء في مختلف المناطق، إضافة إلى رخص ثمن جهاز الراديو، وبالنسبة للمرسل فقد وجد رجال المال والأعمال والجماعات الحزبية الإذاعة وسيلة جماهيرية غيرمكلفة مادياً، وأصبحت موجات الإف إم  متوفرة ومتاحة أكثر من أي وقت مضى».

تجارب ناجحة

في مدينة عدن افتتحت إذاعة “بندر عدن”  عام 2015 وهي إذاعة خاصة تهتم ببث البرامج الترفيهية والمنوعة للأسرة، وواجه العاملون فيها صعوبات وتحديات متعددة منها: استهداف البرج الخاص للإذاعة، واقتحام استيديو البث من قبل مسلحين، ورغم ذلك  استمرت الإذاعة بتقديم برامجها المتنوعة التي تحمل رسائل تدعو للمحبة والسلام.

وفي حديثه لـ”منصتي30″ يقول محمد عبد الرحمن، المذيع في إذاعة بندر عدن: «مرت الإذاعة بمراحل صعبة ومشكلات أمنية ولوجستية لكنها استطاعت تجاوزها، وقد اتخذت الإذاعة عبارة “حياتنا فن و راديو للجميع”  كشعار لها، لتكون قريبة من الجميع، وبعيدة عن أي طرف سياسي، وبسبب ذلك استطعنا استقطاب آلاف المستمعين، وتكوين علاقة صداقة بينهم وبين الإذاعة».

أما مدينة صنعاء فقد شهدت بين الحين والآخر انطلاق إذاعة جديدة الأمر الذي أوجد تنافساً محموماُ على الاستثمار في مجال الإعلام المسموع رغم التحديات الاقتصادية، وتراجع سوق الاعلانات التجارية، وكان لإذاعة “يمن تايمز” تجربة فريدة، وفي حديث لـ”منصتي30″، يرى مدير الإذاعة علي الموشكي، أنه «لولا احتياج الناس لوجود إذاعات توصل أصواتهم وما تحمله من هموم ومشكلات، ولولا اجتهاد وصبر ومثابرة طاقم عمل يمن تايمز الشبابي لما استمرت إذاعة يمن تايمز وغيرها، فنجاح الإذاعة أيضاً يعود إلى تفاعل الجمهور مع برامجها وهذه القاعدة التي استند عليها عمل إذاعة يمن تايمز وغيرها من الإذاعات المجتمعية الناجحة في البلاد». وبحسب الموشكي فإن «إذاعة يمن تايمز ساهمت وبشكل كبير في تبادل المعارف بين أفراد المجتمع على اختلاف مواقعهم ومستوياتهم، كما أنها عملت على توعيه افراد المجتمع ببعض المشاكل التي قد تواجههم وكيفية التعامل معها».

وفي محافظة حضرموت من بين 23 إذاعة بزرت عدة إذاعات يديرها فئة الشباب حازت على نسب عالية من المستمعين، كإذاعات «نماء، وسلامتك، ورؤية، ونور الإيمان» وفقاً لتقييم الإذاعي منير باهادي في حديثه مع “منصتي30″، مضيفاً القول: «تحتاج معظم الإذاعات لميزانيات مالية مناسبة من أجل أن تستمر ويبدع طاقمها، وإلا فسوف تتعرض للإغلاق».

سلبيات

ومثلما لبعض الإذاعات الموجودة على الأثير اليمني إيجابيات متنوعة، فإن لها سلبيات عديدة منها: إثارة  بعض البرامج التي تبث في تلك الإذاعات المشاكل والنعرات الطائفية والمناطقية في أوساط المجتمع اليمني، وكذلك استخدام جماعات ورجال مال وأعمال تلك الإذاعات كمنابر لتحسين صورتهم وشتم وقدح من يخالفهم، كما أن أغلب الإذاعات سخرت ساعات بثها لبث للإعلانات التجارية التي تفتقد  للذائقة الفنية، وهو الأمر الذي يتنافى مع أخلاق المجتمع اليمني وأخلاقيات مهنة الصحافة، كما يرى الخبير الإعلامي د.سيف مكرد، ويضيف لـ”منصتي 30″ قائلاً: «من السلبيات المأخوذة على الإذاعات في اليمن أن الكثير من المناطق الريفية لا يصل إليها البث الإذاعي».

واعتبرت دراسة متخصصة لمركز الدراسات والإعلام الاقتصادي، أن دور الإذاعات المجتمعية لايزال قاصراً، فيما يتعلق بالمرأة والطفل والشباب والخدمات الأساسية للمواطنين كالكهرباء والمياه ومشاكل الطرقات والمشاكل الأمنية حيث تمثل نسبة 20 %  فقط، بينما تحتل المادة الترفيهية والغنائية والرياضية والسياسية ما نسبته 80 % من برامج هذه الإذاعات.

وأوضحت الدراسة بأن «تلك الإذاعات غابت عن برامجها قضايا هامة منها الارتفاع الكبير في اسعار المواد الغذائية والمشتقات النفطية، الأضرارالتي تعرض لها القطاع الزراعي بسبب ارتفاع أسعار المشتقات النفطية، البطالة وغياب فرص العمل، انقطاع الرواتب وأثرها على الأسر محدودة الدخل، توقف المرافق الصحية و التعليمية في الريف، التلاعب في معايير القبول في الكليات، التفكك الأسري، غياب الحقوق والحريات في ظل الحرب القائمة في اليمن، القضايا الأمنية المتمثلة بانتشار السرقة والنهب والقتل والتقطعات والثأر والاختطافات، إضافة إلى الانقطاع المستمر لشبكة الكهرباء» .

ويطالب الأستاذ في جامعة صنعاء د.عبدالباسط محمد بتنظيم عمل الإذاعات المحلية في اليمن، وممارسة الرقابة على أداء بعض برامجها من أجل الالتزام بالمبادىء والمواثيق المنظمة للعمل الإعلامي، ومن أجل احترام ذات المستمع، والتقليل من الإشاعات والكذب. متوقعاً افتتاح المزيد من الإذاعات في الأيام القادمة وتطورها خاصة مع ربطها بشبكة الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي.

*منصتي 30 إذاعة هولندا.

إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص