التعليم:
للعلم أهمية كبيرة جدا في حياة الأفراد والشعوب ولا يجادل في ذلك عاقل. وقد دعا القرآن الكريم إلى العلم وحض عليه ولم يجعل العالم كالجاهل. وينبغي في التعليم أن تكون الغاية منه واضحة والوسائل إليه مناسبة. إن الغاية من التعليم إزالة الجهل عن الإنسان ومحو أميته في القراءة والكتابة، ثم محو أميته العلمية والمعرفية، وزراعة الفضول المعرفي في نفسه والشغف العلمي والفكر النقدي. مع ضرورة تعريفه بأهمية العلم وشرفه ومكانته وأنه يطلب لذاته؛ لأن قيمته فيه وشرفه في تحصيله، وثمرته تقع من المتعلم في قلبه وعقله، فتبنيه فكرا ووجدانا، وتصل به إلى كماله الإنساني الذي يدرك من خلاله حقيقة نفسه والغاية من وجوده، ومهمته في الحياة وطريقة تعاطيه معها وإجادة سبل العيش فيها حتى يكون شخصا نافعا لنفسه وأمته. وكذلك تعريفه بأن للعلم مرتبتين: الأولى مرتبة العلوم الواجبة؛ أي التي يجب عليه تعلمها وهي العلوم الدينية التي تتصل بالواجبات الشرعية التي ينبغي عليه أن يقوم بها. والثانية مرتبة العلوم الداخلة في فروض الكفاية؛ وهي العلوم الدنيوية التي تحتاج إليها الأمة في تيسير شؤون حياتها. وهذا الترتيب أصبح غائبا في التعليم اليوم، وبسببه عم الجهل بالواجبات الدينية لدى كثير من المتعلمين وبعضهم من كبار المتخصصين في العلوم الدنيوية. كما ينبغي للمتعلم أن يتحلى بالآداب والأخلاق والقيم لأنها الحصن المنيع الذي يصون العلم وصاحبه من الوقوع فيما يذل ويشين ويحط من قدر العلم والمتعلم، ويحمي العلم من الانحراف عن سبيل الحق والخير، فالعلم يمكن أن يستعمل في الشر وفيما يضر الناس، وأكبر دليل على ضرر العلم حين يبتعد عن الأخلاق والقيم استغلاله في إنتاج أسلحة الدمار الشامل بأنواعها.
هذا هو المتن في العلم والتعليم وهو واضح صريح، ولا يحتاج إلى هامش يفسره. لكننا جعلنا له هامشا من خارجه لكي نستطيع اللعب به والعبث بقداسته وهدمه وتدميره؛ ذلك الهامش هو الحصول على الشهادة والوظيفة وسوق العمل، ثم جعلنا هذا الهامش متنا أصيلا وجعلنا منه غاية كبرى، ونقلنا العلم من المتن إلى الهامش فأصبح وسيلة هزيلة نتوسل بها للحصول على الشهادة وضاعت قيمته الذاتية. ثم نظرنا إلى الغاية التي هي الشهادة فوجدنا أن سبيل الحصول عليها ليست مقصورة على العلم والتعلم وبذل الجهد، فهناك سبيل أخرى وهي الغش في الامتحانات والحصول على المعدلات العالية، وبناء عليه فلا داعي للسهر والتعب في طلب العلم ومذاكرته. وثمة سبيل أخرى وهي أن لا يدرس الإنسان مطلقا؛ لأن بإمكانه أن يحصل على الشهادة المعتمدة بمبلغ من المال ولو كان أميا لا يحسن القراءة والكتابة.
وبعد هذا كله هل نطمع في أن تكون لنا مكانة مشرفة أوقيمة معتبرة بين الأمم والشعوب.
إضافة تعليق