كان من أشهر الفنانين الشباب الذين لمعت نجومهم في محافظة الحديدة ومختلف المناطق اليمنية في سبعينيات القرن العشرين الفائت، كونه أجاد العديد من الألوان الغنائية من حيث التلحين والإيقاعات وتقديم أفكار جديدة في الغناء اليمني. تميزت أغنياته بملامسة قضايا الشباب، وفي منتصف السبعينيات، أُعلن عن إطلاق البث التلفزيوني في صنعاء، وحينها تمت استضافته في أول برنامج ثقافي فني بصحبة شاعر اليمن الكبير عبدالله البردّوني، وسجّل حينها للتلفزيون أغنية "الشارلستون"، كما قدم عشرات الأغاني والأوبريتات في المناسبات الوطنية حتى مطلع الثمانينيات، عندما قرر "اعتزال الغناء".
نتحدث عن الفنان المخضرم الاستاذ يحيى أحمد أبكر الشلال العقيلي، المعروف بـ"يحيى الشلال"، في هذا الحوار القصير، وهو أول ظهور إعلامي له منذ أن قرر التواري عن الأنظار قبل 39 سنة.
الاستاذ يحيى الشلال نشأت في أسرة تهتم بالفن والثقافة، رغم الظروف القاسية التي كانت تحيط بأهالي الحديدة حينها؛ حدثنا أكثر عن تلك النشأة؟
أنا من مواليد عروسة تهامة اليمن، مدينة الحديدة في حارة السور سنة 1953. هذه الحارة تعتبر من أقدم الحارات في مدينة الحديدة، وهي الحارة الوحيدة التي كان لها سور وأربعة أبواب مثل صنعاء القديمة، وكان أغلب سكانها من التجار والمثقفين والحكام وكبار المسؤولين والمشتغلين في الدوائر الحكومية.
كيف كانت ظروف أسرتكم في ذلك الحين؟
أودّ الإشارة إلى أن أسرة والدتي آمنة بنت يحيى عبدالله إبراهيم جيلان (يرحمها الله)، هم من سكان حارة اليمن، وأسرة والدي أحمد أبكر الشلال العقيلي (رحمة الله عليه)، هم من سكان حارة السور. وحينما تُوفِّي والدي كان عمري تسعة أشهر، وشقيقي الأديب والشاعر أبو القصب أحمد أبكر الشلال العقيلي (رحمه الله) كان عمره سنتين .وقد تولى تربيتنا والإشراف على تعليمنا وكفايتنا عمي المغفور له القاضي محرم أبكر الشلال العقيلي، حيث كان يعمل في سلك القضاء، ومتزوج اثنتين؛ واحدة من حارة الهنود واسمها "حليمة" بنت فقيه الصوفية الحاج "أحمد فقير"، والأخرى من صنعاء واسمها "تقية" حفيدة "الإمام المهدي". أذكر أني كنت أدرس بمدرسة "الوعي" في حارة "المشرع"، ومسجل ضمن الطلاب الأيتام، كنت أتقاضى شهريًّا ثلاثة ريال فرنسي [ماريا تريزا]، وقَدَح إلا ربع حنطة [القدح وحدة قياس الحبوب في اليمن]، وفي السنة بذلتين: قميص ويَلَق [صدارة]، وكوفية [طاقية]. وقد انقطع ذلك المقرر الشهري بعد قيام الثورة [26 سبتمبر] بأربع سنوات تقريبًا.
ما هي الأعمال والمهام التي مارسها الأستاذ يحيى قبل وُلوجِه الفن؟
في عام 1970، حصلت على الشهادة الإعدادية، وذهبت أبحث عن عمل) كمعاين جمركي) في ميناء الحديدة الذي بناه الاتحاد السوفيتي في عهد محمد البدر ولي العهد في المملكة المتوكلية اليمنية، ولم أتمكن من الحصول على ذلك، وبواسطة صديقي الأعز عيسى أحمد فقيرة، الذي استطاع إقناع الأستاذ القدير محمود كتري مدير عام مكتب الاقتصاد بالحديدة لقبولي في العمل، وبالفعل تم قبولي وتعييني مساعدًا لرئيس السجل التجاري الذي كان يرأسه الأستاذ عبدالقادر معجم.
كنت بالفعل أول فنان يستضاف في التلفزيون بمناسبة افتتاحه في 1975، بصحبة الأديب الكبير عبدالله البردّوني، في برنامج" أديب وفنان"، الذي كان يقدمه محمد المحبشي، وسجلت للبرنامج والتلفزيون أغنية "الشارلستون" التي تحكي عن موضة الشباب
كيف كانت بداياتك الفنية؟
أتذكر أنه بعد قيام الرئيس إبراهيم محمد الحمدي بافتتاح المدينة السكنية التي بناها للعمال في مدينة الحديدة، جاءت إلى الحديدة الفنانة عفاف راضي والفرقة الموسيقية المصرية وعميدة كلية التربية الموسيقية، وآنذاك كنت والأخ أحمد فتحي الوحيدان من فناني الحديدة، اللذين شاركا في فعاليات ذلك الحفل الغنائي، الذي أقيم في إحدى ساحات مدينة العمال، وقد انبهرت عميدة كلية التربية الموسيقية بمهارة عزف أحمد فتحي على آلة العود، رغم صغر سنه، ونصحته بالسفر إلى مصر والالتحاق بالمعهد العالي للموسيقى. وأتذكر آنذاك أن الدكتور حسن مكي حينما كان رئيسًا للوزراء، جاء إلى مدينة الحديدة وأقام له مكتب التربية والتعليم حفلًا خطابيًّا وفنيًّا في نفس المدرسة التي سبق الإشارة إليها، وكنت وأحمد فتحي من المشاركين في إقامة ذلك الحفل الخطابي الغنائي، وأثناء الحفل وجه الدكتور حسن مكي بإعطاء أحمد فتحي منحة دراسية في معهد الموسيقى بمصر، وأنا كان حظي منحة مالية قدرها خمس مئة ريال. ومع مرور الأيام وملازمة صديقي أحمد فتحي والصديقان يحيى إسماعيل محمود وعبدالودود محمود، أمد الله في عمرهما، حيث كانا يجيدان الغناء والعزف على آلة العود، حينها تعلمت العزف على آلة العود، وهنا لا بد من الإشارة إلى أنه كان لوالد المترجم الشهير محمد إبراهيم صدام ديوان كبير كانوا يطلقون عليه اسم "العبّارة" يجتمع فيه للمقيل وتخزين القات، كل من يصل من صنعاء من المسؤولين إلى مدينة الحديدة، وكنت والصديق أحمد فتحي نُستضاف دائمًا للغناء في ذلك الديوان، وأتذكر أن مدير عام الثقافة والفنون بوزارة الإعلام الأستاذ عبدالصمد القليسي -ملحن أوبريت "خالدُ أنت يا يمن"- جاء إلى مدينة الحديدة وكان ضمن المسؤولين الذين حضروا للمقيل والتخزين في ذلك الديوان، وهناك تعرفت عليه، وحثني على ضرورة السفر إلى صنعاء والالتحاق بالفرقة الموسيقية التي أنشأتها وزارة الإعلام في عام 1973. ورغم أني كنت مرتاحًا في وظيفتي بمكتب الاقتصاد في الحديدة، فقد غامرت وعزمت السفر إلى صنعاء التي لم يسبق لي أن زرتها من قبل ولا أعرف فيها أي إنسان، ورغم ذلك سافرت إلى صنعاء والتحقت بالفرقة الموسيقية كمطرب وفنان براتب تعاقدي كبيرة قدره 45 ريالًا في عامي 1974 و1975، حيث ما زلت أحتفظ بهذا العقد إلى يومنا هذا، والموقع عليه نائب وزير الإعلام آنذاك الأستاذ أحمد الرعيني (رحمه الله)، علمًا أنه حينما التحقت بالفرقة الموسيقية كنت أجيد الغناء والعزف على آلة العود، وأحفظ الكثير من الأغاني التراثية لكبار الفنانين القدامى.
حدثنا عن أبرز الأغنيات التي كانت باكورة مسيرتك الفنية؟
كانت الأغنية الصنعانية هي المتداولة والسائدة في ذلك الوقت، بالإضافة إلى التغني بأناشيد وأغاني الجندي والفلاح والعامل فقط، وبقية الألوان الغنائية اليمنية منسية في الشمال .ولذلك وبكل فخر، أستطيع القول بأني أول فنان من شمال الوطن غنّى اللون التهامي بعنوان "وونا وونا"، و"بالله عليك"، و"واجون"، من كلماتي وألحاني.
غنيت لكبار الشعراء اليمنيين، من هم الأبرز؟
تعاملت مع الشاعر الأستاذ عبدالله حسن غدوة (يرحمه الله)، في أغنية للصياد، وكتب لي الشاعر الكبير الأستاذ عباس المطاع (يرحمه الله)، كلمات أغنية "غنى المغني"، وهي الأغنية التي أدخلت فيها المزمار، كأول فنان يعمل ذلك في الجمهورية العربية اليمنية، ومنحت عازف المزمار الماهر علي صعصعة صولة كاملة فيها.
في منتصف سبعينيات القرن العشرين المنصرم استضافك التلفزيون اليمني، بمناسبة افتتاحه، حدثنا عن ذكرياتك في سياق تلك المقابلة؟
كنت بالفعل أول فنان يستضاف في التلفزيون بمناسبة افتتاحه في عام 1975، بصحبة الأديب الكبير عبدالله البردّوني (يرحمه الله)، في برنامج" أديب وفنان"، الذي كان يقدمه الإعلامي القدير محمد المحبشي، وأتذكر أني سجلت للبرنامج والتلفزيون أغنية "الشارلستون" التي تحكي عن موضة الشباب، وكانت من كلمات شقيقي الشاعر أبو القصب الشلال.
ما هي أبرز الأعمال الفنية التي كانت محل اعتزاز وفخر بالنسبة لك؟
في عهد الرئيس إبراهيم محمد الحمدي (يرحمه الله)، تم اختياري من قبل القائمين على وزارة الإعلام للغناء باللون السوداني ترحيبًا بالرئيس السوداني جعفر محمد النميري بعنوان "أرض سبتمبر، يا مجد العصور" كلمات الشاعر علي حمود عفيف (رحمه الله)، وألحان المذيع الشهير عبدالرحمن مطهر (رحمه الله)، وقد قامت البعثة الإعلامية لكوريا الجنوبية بتصوير هذه الأغنية ضمن الفيلم السينمائي للمنجزات التي تحققت في عهد الرئيس إبراهيم الحمدي بعنوان "اليمن تبني مجتمعًا جديدًا"، وشاركت في جميع المهرجانات والقوافل الإعلامية التي كانت وزارة الإعلام والتوجيه المعنوي يقيمانها في العديد من المواقع العسكرية والمدنية، وشاركت في فعاليات الاحتفالات الوطنية والرسمية التي كانت وزارة الإعلام تقيمها في المحافظات وفي الشطر الجنوبي من الوطن آنذاك.
علاقتي بالصحافة طيبة، وكنت أول فنان يكتب في كثير من الصحف والمجلات وله عمود فني أسبوعي في الصفحة الفنية لصحيفة الثورة، أثناء ما كان يحررها الصحفي مصطفى العبسي، وبعده الصحفي رياض شمسان.
بالتأكيد أنك تحمل في جعبتك الكثير من الحكايات خلال مشوارك الفني؟ حدثنا عن المناصب الإدارية والفنية التي تدرجت فيها خلال تلك الحقبة؟
في السبعينيات من القرن العشرين المنصرم تم تعييني مساعدًا لقائد الفرقة الموسيقية الفنان محمد علي بركات، وعند سفره للدراسة في مصر، تم تعييني قائدًا للفرقة الموسيقية بدلًا عنه، وحينما أنشأت وزارة الإعلام والثقافة المعهد الموسيقي، استقدمت مدرسين في مجال الموسيقى من كوريا الجنوبية، وعُيّن صديقي الحميم الفنان علي أحمد الأسدي، مديرًا للمعهد الموسيقى، أما أنا فقد عُيّنت سكرتيرًا لمعهد الموسيقى، وفي الـ28 من فبراير 1978، تم تعييني مديرًا لمعهد الموسيقى بدلًا عن الفنان علي الأسدي الذي سافر إلى مصر لدراسة الموسيقى .وفي 7 يونيو 1977، كنت المسؤول الثقافي والفني بنادي فلسطين بصنعاء، الذي كان مقره تحت بيت العجمي، وكان رئيس النادي آنذاك عبدالوهاب الرميم (أمد الله في عمره).
حدثنا عن أبرز المشاركات الفنية التي قدمتها خارج اليمن؟
مثّلتُ اليمن في مؤتمر تأسيس المجمع العربي للموسيقى، الذي انعقد في مدينة الرباط بالمغرب العربي، في أواخر عام 1977، وحضره كبار الفنانين من مختلف الأقطار العربية برئاسة أمهر عازف عود في الوطن العربي الموسيقار العراقي الكبير بشير منير (يرحمه الله). وكنت أيضًا، أول فنان من شمال الوطن غنى في عام 1971، على مسرح سينما الشرق بالحديدة، لفلسطين، من كلمات الشاعر الفلسطيني حسن رضوان، وألحان عبدالله علي المشدلي، وفي الحقيقة قدر لي أن أزور العديد من الأقطار العربية في المشرق والمغرب العربي وبعض البلدان الغربية، للمشاركة في الأسابيع الثقافية التي كانت تقيمها اليمن في الخارج، وشاهدت عن قرب كيف أن في تلك البلدان يحتفون بإنسانية إنسانهم المتقاعد، والله المستعان.
إلى أي مدى كان للانتماء السياسي تأثير على المسيرة الفنية للفنان يحيى الشلال؟
لم أكن محسوبًا على أحد أو على أي طرف سياسي، وخدماتي الطويلة أديتها بكل أمانة ونزاهة وشرف، ويشهد الله على ذلك.
يقال إن الفنان يحيى الشلال لم يأخذ حقه في الفن؛ ما رأيك في ذلك؟
هذا صحيح، والأسباب كثيرة تكاد تكون معروفة لدى الكثير من المهتمين بالفن في اليمن، وقد اعتزلت الغناء والفن نهائيًّا عام 1982، وتفرغت للعمل الإداري في وزارة الإعلام، حيث تم تعييني مديرًا لسكرتارية وزارة الإعلام، وفي عام 1994، صدر قرار تعييني مديرًا لإدارة التجهيزات والصيانة بوزارة الإعلام، ثم نائبًا لمدير عام الشؤون المالية لشؤون التجهيزات والصيانة بالوزارة .وفي عام 2014، تم إحالتي إلى التقاعد دون تسوية وضعي الوظيفي ودون مراعاة فترة خدماتي الطويلة.
كيف كانت علاقتك بالصحافة؟
علاقة طيبة، وأنا كنت أول فنان يكتب في كثير من الصحف والمجلات وله عمود فني أسبوعي في الصفحة الفنية لصحيفة الثورة، أثناء ما كان يحرر الصفحة الفنية الصحفي مصطفى العبسي، وكذلك حينما تولى تحريرها بصورة دائمة الصحفي رياض شمسان.
هل ما يزال هناك تواصل بينك وبين فنانين ممن كانت تجمعك بهم صداقات؟
بالتأكيد.
ماذا عن حياتك الشخصية؟
تزوجت في صنعاء من نبيلة ناصر محمد حسن مغنيز، توْءَم روحي وحياتي وأمّ أولادي الثلاثة (محمد ومنير ومازن)، أمد الله في أعمارهم جميعًا.
ما مدى شعورك بالرضا عن حياتك العائلية؟
الحمد لله نعيش مستوري الحال، ونحاول أن نصنع السعادة في حياتنا، أعيش أنا وأسرتي في منزل بالإيجار، ونتقاسم الحياة بحلوها ومرّها، أسوة بباقي العائلات اليمنية في وقتنا الراهن.
*خيوط