في أواخر ديسمبر/كانون الأول الفائت غادرت العشرينية تغريد الخطابي صنعاء المحافظة المنتمية لها، متجهة إلى إسطنبول من أجل لقاء زوجها التركي الذي لا تعرفه إلا عبر وسيط محلي، وقد كان الوكيل الذي أتم مع والدها مراسيم زواجها. دفع الرجل التركي خمسة آلاف دولار مهرا لتغريد، من دون تكاليف حفل زفافها والتنقل وتذاكر السفر. يقول أحمد الخطابي -وهو شقيق تغريد-: "إن والده وأشقاءه في بادئ الأمر رفضوا زواج ابنتهم من أجنبي، بسبب اختلاف العادات والتقاليد وخشيتهم من تعرضها لمشكلات لا يمكنهم حلها إذا ما كانت ابنتهم في بلد أجنبي، لكن بعد إلحاح وتطمينات من عائلات يمنية تقطن العاصمة التركية، اتصلت بوالد تغريد وأكّدت له بأنهم سوف يكونون السند والعون لتغريد إذا تعرّضت لأي أذى من زوجها التركي، وها هي اليوم تعيش في أمان وسعادة".
مثل تغريد مئات من الفتيات من مختلف المناطق اليمنية، خضن تجربة زواج من جنسيات متعددة، أبرزها التركية والخليجية والماليزية والأفريقية، وفقاً لإحصائيات رسمية وحالات رُصدت في هذا التقرير في فترة الحرب الجارية التي ما زالت تدور رحاها في اليمن، باءت بعض تجارب زواج اليمنيات بأجانب بالفشل، وكان بعضها الآخر ناجحا، وفيها كُوّنت عائلات حققت نجاحات على مختلف الأصعدة بقيادة نماذج متميزة لنساء يمنيات.
ضرورة الزواج:
ترى فطوم اليريمي، وهي طالبة يمنية تدرس في إحدى الجامعات، أن زواجها من فتحي الرائد، وهو شاب أردني كان "النصيب"، ولم يكن أمرا مخططا له منذ أن وطئت قدماها العاصمة الأردنية هي وعائلتها عام 2016، وتقول فطوم: "كان زواجنا تقليديا؛ إذ كان فتحي جارا لنا، يسكن مع عائلته في نفس الحيّ. وبعد أن تعرف على أشقائي، وتبادلنا الزيارات مع عائلته، جاء لطلب الزواج مني، ووافقت على الفور، لم تكن جنسيته عائقاً في زواجي، والأمر بالنسبة لي طبيعي".
وفي مصر تتزايد ظاهرة زواج اليمنيات من أجانب وعرب منذ قدوم كثير من العائلات اليمنية إلى أرض الكنانة عقب اندلاع الحرب، كما يؤكد ، الاعلامي والديبلوماسي بليغ المخلافي المسؤول في السفارة اليمنية في القاهرة.
تزوجت ن. ر. شابة يمنية لم تتجاوز السابعة عشر ربيعا، من رجل ليبي خمسيني مقيم في مدينة الإسكندرية المصرية قبل العام الفائت، لكن زواجهما لم يستمر بسبب معاملة الزوج الليبي السيئة للشابة اليمنية، ويقول أحد أقارب الشابة اليمنية:إنها لم تتمكن من مقاضاة زوجها الليبي في المحاكم المصرية بسبب ظروفها المادية السيئة هي وعائلتها التي فرت من الحرب، وهو الأمر الذي استغلّه زوجُها الليبي، فطلقها من دون أن يقدّم لها حقوقها الشرعية والقانونية.
زواج غير مُقيد:
تعود ظاهرة زواج اليمنيات من أجانب إلى أكثر من نصف قرن، حين كان عددٌ من المعلمين المصريين العاملين في المدارس اليمنية يتزوجون بيمنيات، إبان ثورة السادس والعشرين من سبتمبر 1962،ولم يكن في ذلك الأمر إشكالية.
كانت وردة منزعجة حينما كانت تُفكر أنها ستتزوج من رجل يمضغ نبتة القات، وهو أمر يقتل الرومانسية في مخيلتها، كما تقول: "لستُ الفتاة التقليدية التي سوف تطبخ لزوجها اليمني السلتة والعصيدة وبنت الصحن. أنا ذوقي ولوني مختلف. حرة وأحب البساطة.
لكن في أواخر تسعينيات القرن المنصرم حتى بعد عام 2000انتشر ما يُعرف بـ"الزواج السياحي" أو "الزواج الصيفي"، خصوصا في محافظة إب وسط اليمن، وهي ظاهرة خلقت مآسٍ كانت ضحيتها المرأة اليمنية التي تجد نفسها فجأة معلقة، ولا تستطيع الحصول على حقوقها بسبب هروب الزوج الخليجي، الذي قضى معها أشهر أو أسابيع عسل من أجل المتعة الجنسية فقط،ووفقا لإحصائية صادرة عن وزارة العدل عام 2005، كانت الجنسية السعودية في المرتبة الأولى من بين الجنسيات العربية ممن تزوجوا يمنيات، تليها الجنسية الإماراتية، فالعراقية، ولا توجد إحصاءات عن زيجات الخليجيين بيمنيات خلال الحرب الجارية، خصوصا في المحافظات التي تسيطر عليها الحكومة اليمنية المعترف بها دوليا، لكن ناشطين أكدوا تزايد زواج خليجيين بيمنيات في محافظات عدن ولحج، من دون تقييد تلك الزيجات في الجهات الرسمية اليمنية، مثل وزارتي العدل والداخلية، وهو الأمر الذي يُـعدّ مخالفا للقانون اليمني، ولا ينتصر لحقوق النساء اليمنيات، وفق تأكيد المحامية وردة بن سميط.
يُعد الفقر والظروف الاقتصادية السيئة إحدى الكوارث الناتجة عن الحرب، التي تعاني منها العائلات اليمنية، وهي مشكلة جعلت كثيرا من العائلات اليمنية توافق على تزويج بناتها من أجانب، إضافة إلى أن كثيرا من الشباب اليمني انخرط في جبهات القتال مع مختلف أطراف النزاع في اليمن، وذلك ما خلق فجوة في التركيبة السكانية،خصوصا في المناطق الشمالية من اليمن، بحسب حديث الباحثة في علم الاجتماع السكاني غدير الصائم.
نماذج ناجحة:
تفتخر الفنانة التشكيلية اليمنية المقيمة في صنعاء سوزان غيلان بزواجها من الشاعر المصري مجاهد العشماوي الملقب بـ"ابن النيل"، تتحدث غيلان عن قصة حب مميزة جمعتها بزوجها المصري الذي توفي في العاصمة اليمنية صنعاء في ديسمبر/كانون الأول الفائت. كان المهر الذي قدّمه الشاعر المصري للفنانة اليمنية ديوان شعر كتبه لها بعنوان "ربما". تقول سوزان: "عشتُ مع ابن النيل أجمل أيام عمري"،في الرابع عشر من فبراير/شباط الجاري، نشرت سوزان غيلان على صفحتها المشتركة مع زوجها ابن النيل على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك" أولَ قصيدة أعلنَ فيها ابن النيل عن حبه لها مُرفقة مع مجموعة مختارة من لوحاتها الفنية التي جسّدت حالة الحب.
ويفتخر الفنان الصومالي عبد الرشيد محيي الدين بزواجه من امرأة يمنية نجح معها في تكوين عائلة سعيدة. كما يقول.
وكنموذج آخر لقصص نجاح زيجات يمنيات بأجانب، تحكي الأستاذة الجامعية اليمنية المنتمية لمنطقة بني حشيش في صنعاء،الدكتورة إلهام مانع، عن سعادتها الغامرة لزواجها باقتصادي سويسري منذ أكثر من سبعة وعشرين عاما. تروي قصتها قائلة:"التقيتُ بزوجي في الولايات المتحدة عام 1994 حينما كنا طالبين لدراسة الماجستير في واشنطن. كنا معا في السكن الطلابي هناك، وتعرفت عليه وحصل توافق روحي من أول لحظة التقينا فيها. حينها أدركت أنه سيكون نصيبي لأنني وجدت معه الثقة والأمان والوضوح والتوافق الفكري والثقافي".
تحدثت مانع مع والدها ووالدتها بأنها تنتظر موافقتهما على الزواج من الأكاديمي السويسري الذي يعمل في الحكومة السويسرية، فكان جواب والدها أنه موافق في حال التزام إلهام بإكمال دراستها وحصولها على درجة الدكتوراه، وجاء رده "على بركة الله"، لكن والدتها لم تكن سعيدة بزواجها من أجنبي،وحين أدركت أن الزواج سيتم، وافقت في آخر الأمر.
أسلم الأكاديمي السويسري بهدف الزواج من الدكتورة اليمنية، رغم أن مسألة إسلامه أو عدمها لم تكُن مهمة بالنسبة للدكتورة إلهام مانع، بحسب تأكيدها.تقول مانع:"نحن متفاهمان. لا هو يحاول أن يغيرني، ولا أنا أحاول أن أغيره. من بداية علاقتنا الزوجية لا توجد ذكورية، نحن الاثنان نعمل معا، ومن يصل البيت الأول هو من يطبخ ويغسل الصحون. يسود بيننا الاحترام والإدراك أن لكل منا شخصيته المستقلة، هو يضعني فوق رأسه وأنا أضعه فوق رأسي".
وفي الولايات المتحدة تزوّجت الناشطة اليمنية المنتمية لمحافظة إب وردة العواضي بشين الشاب الأمريكي، واستمرت علاقتهما الزوجية لسنوات طويلة في سعادة، كما تؤكد، في حديثها، وتقول: "قبل أن أتعرّف على زوجي، كان هناك شباب يمنيون في أمريكا يريدون الارتباط بي، لكن مسألة العادات والتقاليد كانت تُخيفني، لأنني لم أتواءم قط مع عاداتنا وتقاليدنا التي لا تترك مساحة حرية وخيار للفرد، ولأن معظم الشباب اليمنيين يودّون العودة إلى اليمن بعد كفاح الغربة طويل، وأنا لم أكن أرغب في العودة، لأنني اخترتُ أن أعيش في الغرب مع أبنائي".
كانت وردة منزعجة حينما كانت تُفكر أنها ستتزوج من رجل يمضغ نبتة القات، وهو أمر يقتل الرومانسية في مخيلتها، كما تقول: "لستُ الفتاة التقليدية التي سوف تطبخ لزوجها اليمني السلتة والعصيدة وبنت الصحن. أنا ذوقي ولوني مختلف. حرة وأحب البساطة. لا أتحمل التدخل في حياتي من أسرة زوجي والمجتمع والعادات والتقاليد. عالمي صغير وبسيط وهادئ ولست امرأة مادية".
تعرفت وردة على زوجها الأمريكي عن طريق صديقتها، التي أخبرتها أن شبابا أمريكيا مسلما يريد الزواج، وقد اختارها، وتواصلت وردة مع زوجها عبر البريد الإلكتروني، وتبادلوا الصور والأفكار، بعدها سافر الشاب الأمريكي لولاية فلوريدا من أجل أن يتقدم لشقيق وردة طالبا زواجها، وهو الأمر الذي وقع بالفعل. تقول وردة: "اختلاف الثقافات بيننا لم تكن مشكلة أساسية؛ لأنني كنت منذ صغري أحب العيش في الغرب،ومنذ نعومة أظافري لم أكن أتفق مع قيود العادات والتقاليد، ولم ترق لي قيود العادات والتقاليد التي تتدخل في كل صغيرة وكبيرة، وفي طريقة الخطبة التي تتم عن طريق أهل العروس،فيتدخلون في الخيار الشخصي، بدلا من أن يتم الأمر بين شخصين فقط، وهو العروس والعريس ليحددا خيارهما بشكل منفرد. أما هو، فكان يحب سماع الأغاني العربية ومشاهدة الأفلام العربية".
تختتم وردة حديثها: "زوجي شين أو أيوب الدين، كما سمّى نفسه، إنسان بسيط وهادئ وطيب، وأنا سعيدة بالارتباط به، متعاطف مع قضية فلسطين والشرق الأوسط، وله إحساس بمعاناة الآخرين، لذلك أحبه".
"تم انتاج هذه المادة ضمن مشروع غرفة أخبار الجندر اليمنية الذي تنفذه مؤسسة ميديا ساك للإعلام والتنمية".
تنشر السلام نيوز هذا التقرير نقلا عن خيوط بالتزامن مع غرفة أخبار الجندر اليمنية – مؤسسة ميديا ساك للإعلام والتنمية.