تعيش ليبيا اليوم مرحلة صعبة جداً في تاريخها الحديث، فمع فشل الإنتخابات التي كان من المزمع عقدها نهاية العام الماضي، ودخول الأطراف السياسية في نزاع على السلطة والشرعية، يبقى أمل الشعب الليبي الراغب في إقامة إنتخابات نزيهة وعادلة، تحقق له الرفاه والإستقرار المفقود، معلقاً في السُحب السوداء المتصارعة في الهواء.
يُرجع العديد من المراقبين للوضع الليبي المشهد الحالي، لعناد رئيس حكومة الوحدة الوطنية المقالة عبد الحميد الدبيبة وتمسكه بمنصبه رغماً عن مجلس النواب والمجلس الرئاسي وقيادة الجيش الوطني الليبي مجتمعين.
فطموحه الذي يغذيه بعض الدول الغربية التي يحقق مصالحها، في البقاء على رأس السلطة يمكن أن يشعل فتيل الحرب الأهلية في البلاد من جديد.
كما ينوه المراقبون الى أن هذا التجاذب السياسي الحاصل يمنع من التحضير للانتخابات بشكل جدي، مما يشكل فائدة للدبيبة الذي يمكنه التمديد لحكومته الى أجل غير مسمى، بناءً على شرطه بعدم تسليم الحكومة إلا لسلطة منتخبة جديدة. وبالتالي فإن إشتعال نزاع مسلح بينه وبين الأطراف الأخرى يحقق له مكاسب في مخططه هذا.
في أثناء ذلك، تعيش طرابلس ومناطق الغرب الليبي في حالة فوضى، فقد اندلعت اشتباكات مسلحة وسط العاصمة الليبية طرابلس بين اثنين من أكبر الميليشيات التابعة للسلطة التنفيذية، مخلفة قتلى وجرحى، قبل أن يعود الهدوء الحذر إلى شوارع المدينة.
وبدأت المواجهات التي استخدمت فيها الأسلحة الخفيفة والمتوسطة في شارع الصريم بين مسلحين تابعين لميليشيا حميد المضغوط، التابعة للمجلس الرئاسي، وكتيبة النواصي الموالية لوزارة الداخلية بحكومة الوحدة الوطنية.
ورغم حالة الذعر التي عاشها سكان منطقة وسط طرابلس خلال أداء صلاة التراويح منذ أيام، من دوي الرصاص وانفجار القذائف، خرج جهاز دعم الاستقرار ليقلل مما تناقلته وسائل إعلام محلية، وقال إن الأحداث التي شهدتها العاصمة "لا تعدو عن خلاف بسيط بين الأشقاء".
من جهة أخرى، وفي محاولة للتخفيف من حدة الوضع، أكدت الحكومة الليبية برئاسة فتحي باشاغا أمس قرب استلامها لمهام أعمالها في العاصمة طرابلس بالطرق السلمية من حكومة الوحدة الوطنية. حيث دعت في بيان لها إلى "ضبط النفس وعدم الانجرار وراء التصعيد السياسي والعسكري المعتمد من قبل الحكومة، منتهية الولاية". كما أكد البيان "ضرورة تجنيب المؤسسة الوطنية للنفط ومصرف ليبيا المركزي والمؤسسة الليبية للاستثمار من دائرة الاستقطاب والاستغلال السياسي والالتزام بدعمهم وفق أسس وطنية متجردة"، على حد ذكر البيان.
وفي تطور مفاجئ جديد، طالبت اللجنة العسكرية «5+5» التابعة للقيادة العامة بالجيش الوطني، المشير خليفة حفتر، بوقف تصدير النفط والغاز، وإغلاق الطريق الساحلي الرابط بين شرق ليبيا وغربها، اعتراضاً على "عدم انصياع حكومة عبد الحميد الدبيبة للشرعية؛ ورفضها تسليم السلطة لحكومة فتحي باشاغا المكلفة من مجلس النواب".
وعقد فريق اللجنة العسكرية التابع للقيادة العامة اجتماعاً، وتحدث عن الجهود التي بذلتها اللجنة منذ توقيع اتفاق وقف إطلاق النار في أكتوبر (تشرين الأول) عام 2020 بجنيف، وقالت إن حكومة الوحدة الوطنية الحالية، بددت هذه المكتسبات من خلال ما أسمته بـ"النهب الممنهج لأموال الليبي، والفساد المالي الذي سُجل على الحكومة ووزرائها، وهيمنة العائلة على الحكم". كما اتهمتها بـ"عرقلة عمل اللجنة؛ وشكلت خطراً على الأمن القومي لليبيا".
يُشار الى أن الدبيبة كان قد رشح نفسه للانتخابات الرئاسية السابقة في نكث واضح لمخرجات ملتقى الحوار الوطني، ورفض تعيين وزير للدفاع قبلها، وأوقف صرف رواتب قوات الجيش منذ أربعة أشهر حتى الآن. كما عمل على تقوية الميليشيات والجماعات المسلحة، ما خلق حالة من الفوضى والإضطراب الأمني في المنطقة الغربية وبالأخص في العاصمة طرابلس.