في محافظة المحويت (شمال اليمن)، يُـسمي شوعي الملحاني نجلَه الثاني باسمه واسم والده "شوعي صغير"، ليكون اسمه الكامل "شوعي صغير بن شوعي بن شوعي كبير الملحاني". يرى شوعي الأب أن تكرار تسمية نجله "شوعي"، يأتي تكريمًا لجدّه الذي له الفضل في توريث مساحات شاسعة من الأراضي له ولأشقائه وأولادهم، فبحسب الملحاني، فإنّ باقي أشقائه ومنهم عبدالله وزايد، عملوا على تسمية أبنائهم الاسم ذاته (شوعي).
بطولة العائلة
وتلجأ بعض العائلات في مناطق المحويت إلى تكرار اسم المولود بنفس اسم الوالد أو الجد داخل العائلة، خشية أن يُتوفَّى الطفل أو يُصاب بالمرض كما يعتقدون، وفي بعض المناطق اليمنية يتكرر الاسم الثنائي والثلاثي تيمّنًا بشخصيات تعتبر بطولية في إطار العائلة، تمامًا كما هو حاصل في منطقة الرضمة بمحافظة إب؛ إذ يتكرر الاسم الثلاثي مع اللقب لثلاثة من أبناء العمومة في أسرة واحدة، وهو: أحمد حسين علي الشلالي، وقد أدّى ذلك إلى ارتباك في إجراء معاملاتهم حينما أراد أصغرهم استخراج بطاقة شخصية، حينها أخبره المختص في مصلحة الأحوال أنّ الاسم مكرر وعليه أن يثبت أن أحمد حسين هو الاسم الحقيقي له، وما كان من أحمد إلا أن أحضر شهودًا من الأسرة ذاتها بأنه يحمل الاسم نفسه، كما يقول في حديثه لـ"خيوط"، ويضيف: "لقد وجدت صعوبة في قطع البطاقة الشخصية؛ بسبب عدم امتلاكي شهادة ميلاد، وبسبب تكرار الاسم الثلاثي مع اللقب مع شخصين من أبناء عمومتي؛ الأول يُلقّب بالشمَّة، والثاني بالكوت، وهي ألقاب تميزهم عني يُعرفون بها في أوساط مجتمعنا المحلي".
يرجح أحمد حسين تكرار تسميته من قبل والده بذات الاسم الثلاثي لآخرين سبقوه في العمر من نفس العائلة، بأن اسم أحمد حسين الأكبر، وهو شخصية من العائلة ذاتها، كانت مشتهرة بالبطولة وعمل الخير في المنطقة التي تقطنها قبيلته.
تنمّر عفاشي
وفي منطقة همدان (شمالي صنعاء)، يحكي العشريني علي عفاش أنه كان يشعر بالفخر حينما كان يُطلق عليه هذا الاسم تيمنًا بالرئيس اليمني الراحل علي عبدالله صالح عفاش، لكن الأمر تغير بعد اندلاع ثورة 11 فبراير 2011، حينها كان الشاب "علي"، يواجه التنمّر من قبل أقرانه في كلية التجارة بجامعة صنعاء، بسبب اسم عفاش الذي أطاحت تلك الثورة بحكمه، يقول علي عفاش لـ"خيوط": "لم أكن أعلم أنني سوف أواجه معاناة بسبب اسمي، حتى حينما سافرت قبل أشهر إلى مدينة عدن من أجل استخراج جواز سفر، كان الجنود يستوقفونني لساعات طويلة، ويتأملون في بطاقتي علّهم يجدون شيئًا يبحثون عنه!".
التكرار والتمييز
محمد محمد العرشي، علي علي الآنسي، علي علي صبرة، أحمد أحمد غالب، محمد محمد محمد المجاهد، محمد محمد الشبيبي، محمد محمد المنصور؛ تلك أسماء لفنانين وشعراء ورجال دين وسياسيين يمنيين وباحثين تكرّرت أسماؤهم لأسباب عديدة؛ منها لتخليد أسماء تاريخية عند بعض الأسر، أو لارتباطات دينية، أو سياسية.
وقد امتاز اليمنيّون، خاصة القاطنين في المناطق الشمالية والشرقية، التي تزداد فيها الأسماء المكررة، لتمييز بعض الأسماء؛ وذلك بأن جعلوا لكل اسم لقب يُعرِّف به، وفيه من التبجيل والاحترام للاسم الذي عادة ما يكون للذكور، فاسم محمد يُطلق عليه لقب العزي، أو عزّ الدين، كما يطلق أهالي صنعاء لقب العزي على أي شخص لم يعرفوا له اسم.
أما اسم علي فيُطلق عليه لقب "الجمالي"، ويُطلق على اسم أحمد لقب "الصَّفِيّ"، كما يُطلق على اسم يحيى لقب "العماد"، فيما يُطلق على اسم إبراهيم لقب "الصارم"، ويُطلق لقب "وجيه الدين" لكل من له اسم "عبد"، كـ: عبدالعزيز وعبدالرحمن وعبدالجليل وعبدالملك، عدا اسم "عبدالله" فيُطلق عليه لقب "الفخري" أو " فخر الدين"، أما قاسم فيُطلق عليه لقب "علم الدين"، ويُلقب يوسف بـ"النجم"، ومحسن بـ"الحسام".
يرى باحثون أنّ توارد وتداول تلك الألقاب يعود إلى حقبة حكم الأئمة الزيديين في المناطق الشمالية، وقد أصبحت تلك الألقاب متداولة في المراسلات الرسمية والتجارية.
تدخلات الأحوال
"محمد، أحمد، صالح، علي، قاسم، عبدالله، دبوان، حسين، فارع، يسلم، شوعي، مبخوت، العزي، فاطمة، فطوم، زينب، أروى، بلقيس، وردة، سميرة، حاكمة، أمل"؛ هي الأسماء الأكثر تكرارًا في اليمن، بحسب مصلحة الأحوال والسجل المدني بالجمهورية، يبدو هذا الأمر طبيعيًّا شأن باقي البلدان التي تتكرر فيها الأسماء الواحدة، لكن غير الطبيعي هو تكرار الأسماء الفردية والثنائية والثلاثية في نفس الأسرة الواحدة، وهو ما يحدث غالبًا في اليمن. وتتكرر ظاهرة تكرار الاسم نفسه في كل جيل في نفس العائلة، في مختلف المحافظات اليمنية منذ القدم، وقد يسمي الابن واحدًا من أبنائه أو أكثر باسم أبيه أو أمه، وفي هذا الصدد يرى الضابط المختص في مصلحة الأحوال والسجل المدني بصنعاء، علي الحفاشي، أن مصلحة الأحوال لا تتدخل في اختيارات الآباء والأمهات بتسمية أبنائهم بموجب قانون الأحوال الشخصية، لكنْ موظفوها يقدمون النصائح والإرشادات في حال وجدوا أسماء غير لائقة أو أنها لا تتناسب مع عادات وتقاليد اليمنيين الاجتماعية ومعتقداتهم الدينية.
تكرار الأسماء في المجتمع اليمني هي ظاهرة قديمة، وما تزال متجددة حتى الوقت الراهن؛ لأن الوالدين يرون أن اختيار الاسم لأبنائهم مرتبط بقيم دينية وسياسية واجتماعية، كما أن الكثيرين يربطون الأسماء بأحداث وتواريخ معينة وإن تغيرت مدلولات تلك الأحداث في الزمن الحالي.
يلفت الحفاشي إلى أنّ قانون الأحوال الشخصية في اليمن، أجاز لليمنيين تضمين اسم الشهرة ضمن أسمائهم المدونة في البطاقات الشخصية والعائلية، وإن كانت مكررة ثنائيًّا أو ثلاثيًّا أو رباعيًّا، لكن بعد التحقّق من صحتها والتدقيق من عدم لجوء البعض للتزوير لمصالح تعود لميراث أو لأسباب سياسية.
يفند الحفاشي في حديثه مع "خيوط"، بعض الأخطاء التي يقع بها الكثير من اليمنيين في معاملات قيد أسماء مواليدهم أو قطع البطائق الشخصية في مصلحة الأحوال والسجل المدني، منها: عدم التبليغ عن المواليد إلى إدارة الأحوال المدنية خلال ستين يومًا من تاريخ الولادة، بل إنّ الغالبية لا يعملون على قطع شهادات ميلاد لأبنائهم، خاصة القاطنين في المناطق الريفية، إضافة إلى عدم التزام الكثيرين ممّن بلغوا السادسة عشرة من العمر بقطع بطائق شخصية، وحينما يتزوجون لا يحرصون على قطع البطائق العائلية.
اللاموانع
في الآونة الأخيرة، عمل بعض اليمنيين على تسمية أبنائهم بأسماء تعود لقادة وشخصيات سياسية وفنية ورياضية، عربية وأجنبية، لم يعتادوا على تلك التسميات من قبل، إذ تشير بيانات في مصلحة الأحوال المدنية، اطلعت "خيوط" عليها، إلى بروز أسماء جديدة كـ"أردوغان، أرسلان، خميني، مهند، أرطغرل، نور، بيان، وتين، داليندا، برلندي، أنديرا، روانا".
في حديثه لـ"خيوط"، يرى الباحث في علم الاجتماع مروان جباري، أنّ تكرار الأسماء في المجتمع اليمني هي ظاهرة قديمة وما تزال متجددة حتى الوقت الراهن؛ لأنّ الوالدين يرون أن اختيار الاسم لأبنائهم مرتبط بقيم دينية وسياسية واجتماعية، كما أنّ الكثيرين يربطون الأسماء بأحداث وتواريخ معينة، وإن تغيّرت مدلولات تلك الأحداث في الزمن الحالي. ويستطرد جباري حديثه قائلًا: "الذي تغير في الوقت الراهن هو تأثر المجتمع اليمني بتمجيد شخصيات يتم تسليط الضوء عليها في القنوات الفضائية ووسائل التواصل الاجتماعي".
يؤيد المحامي والمستشار القانوني نزار سرارو، ما ذهب إليه جباري، ويؤكد سرارو أنه في كثير من الأحيان تحدث إشكاليات بخصوص الميراث، وأحيانًا تتشابه بعض الأسماء مع أشخاص مطلوبين آمنين، بسبب تكرار الأسماء الرباعية والثلاثية وحتى الثنائية، وذات الأمر ينطبق حتى مع الأسماء العادية. ويقول سرارو متحدثًا لـ"خيوط": "لا يوجد نص في القانون اليمني يمنع تكرار الأسماء في العائلة الواحدة، طالما لا تخالف الشرع والقانون والعرف والإسلام"، ومن أجل ذلك يبقى اليمنيّون أحرارًا في تسمية أبنائهم، كما أنّ لهم كل الحرية في تكرار التسمية ثنائيًّا وثلاثيًّا ورباعيًّا".
*خيوط