دو الواقع العربي مسكون بهلامية الأرتهان، غارقا في مستنقع التبعية رغم خطورة الأحداث التي تستهدف وجوده، أمام هذا الواقع تبدو اليمن الواقعة بدورها منذ تسع سنوات في مواجهة عدوان وحصار وحملات إعلامية سخرت لها كبري المؤسسات الإعلامية العربية والدولية والهدف ( شيطنة سلطة صنعاء) التي ما برحت تؤكد هويتها العربية والإسلامية، وتؤكد رفضها للهيمنة والتبعية ورغبتها في إدارة شؤنها بمعزل عن الوصايا من أي جهة كانت وهذا الخيار لم يعجب البعض سوى من الداخل الذين أدمنوا سياسة التبعية والارتهان وأصبحوا عاجزين عن إدارة شؤن البلاد إلا بواسطة أطراف خارجية، أو بعض الأطراف الخارجية الذين لا يحبذون رؤية دولة يمنيه حرة ذات سيادة وكرامة وقرار..
قد لا نختلف اليوم علي أن ما يجري في فلسطين وفي قطاع غزة تحديدا هو ما عشته اليمن منذ تسع سنوات، مع الفارق أن ما يجري في غزة تصدر واجهته العدو الصهيوني وأمريكا والغرب، وهناك إلي جانبهم ( سرا) أنظمة عربية للأسف تقف في خندق الصهيوني والأمريكي والغرب الاستعماري، وما شهدته اليمن خلال تسع سنوات، عدوان وجرائم تصدرها بعض العرب، وفي خندقهم أصطف الأمريكي والصهيوني والغرب الاستعماري..؟!
لذا لم يكون غريبا حديث زعيم انصار الله عبد الملك بدر الدين الحوثي الذي يفند فيه وفي كثير من خطاباته واقع الأمة ويشرح أمراضها مستندا في كل مواقفه علي وعي عميق بالتاريخ وحقائقه ومتطلبات الأمة بالنهوض وإدارة شؤنها بعيدا عن سياسة التبعية والهيمنة التي تفرض عليها وترضخ للأسف لها أنظمة المنطقة بذريعة الرغبة بالعيش بسلام واستقرار، وهي غايات لن تصل اليها الأمة وأنظمتها لأن ثمة أعداء لن يسمحوا لها بذلك مهما قدمت هذه الأنظمة من تنازلات فأن عدوهم القريب والمتمثل بالصهيوني والبعيد الأقرب لهم والمتمثل بالأمريكي، هولاء لا يمكنهم أن يثقوا بالأنظمة العربية الإسلامية وأن كانوا من أتباعهم ومرتهنين لهم، بدليل ما حدث في غزة حين أقدمت المقاومة بتفجير معركة أو ملحمة طوفان الأقصي يومج7 أكتوبر الماضي، تلك العملية البطولية والأسطورية والخارقة والغير مسبوقة التي قامت بها المقاومة وشاهدها العالم بأسره، الذي شاهدا أيضا هشاشة الكيان الصهيوني جيشا وأجهزة أمنية واستخبارية لتسقط كل أساطير هذا الكيان علي يد مجموعة من أبطال المقاومة، الذي دخلوا الي داخل المستوطنات وجلبوا معهم من الأسري وفيهم جنرالات كبار في الجيش الصهيوني وجنودا ما يفوق عددهم عدد المجاهدين الذين قاموا بالعملية البطولية، واقعة دفعت أمريكا وبريطانيا وفرنسا والمانيا، إلي الهرولة للمنطقة بأساطيلهم وبوارجهم لتحقيق هدفين معا، الأول مؤازرة حليفهم الصهيوني المنهار والمصدوم من هول العملية البطولية للمقاومة التي أفقدة العدو توازنه وأصابته بصدمة لم يفيق منها إلا حين وصل اليهم الرئيس الأمريكي الصهيوني الأول في العالم، والهدف الثاني أن أمريكا فقدت الثقة بكلب حراستها في المنطقة فأحضرت بوارجها وأساطيلها سريعا وأنطلقت برحلات مكوكية لكبار مسؤليها للمنطقة محذرين ومتوعدين من استضعاف كيانهم اللقيط وكلب حراستهم، وبدت أمريكا غير واثقة حتي بعملائها من الأنظمة العربية، فهي لا حليف لها في منطقتنا سوى الكيان الصهيوني.
من هذا المنطلق تأتي رؤية واستراتيجية السيد عبد الملك الحوثي، وما حمله خطابه الأخير من مواقف تعكس رؤية الرجل وحرصه الفعلي علي العرب والمسلمين وعلي أمنهم وكرامتهم وسيادتهم وقرارهم المستقل، مستعرضا حيثيات ودوافع الموقف اليمني الذي لم يأتي بدافع الاستعراض بل تعبيرا عن رؤية وموقف وقناعات مرتبطة بحقيقة العلاقة الوجودية العربية _الإسلامية، وأهمية تكاتف وتظافر جهود الأمتين في الدفاع عن أمنهما ومصالحهما والأنتصار لقضايا المظلومين في الأمة وفي المقدمة مظلومية الشعب العربي المسلم في فلسطين وبما يمكنه من أستعادة حقوقه واقامة دولته المستقلة ذات السيادة علي كامل ترابه الوطني وتطهير مقدساته من الرجس الصهيوني وفي المقدمة القدس الشريف أولي القبلتين وثالث الحرمين.
وقد جدد السيد عبد الملك الحوثي في خطابه الاخير موقف اليمن شعبا وقيادة من القضية الفلسطينية معتبرا أن ما يجري في غزة جريمة بحق الانسانية، وفضيحة بحق النظام العربي والاسلامي ووصمة عار في وجوه حكامهم الذين أجتمعوا في الرياض وكانت النتيجة أن اجتماعهم لم يسفر عن إدخال شاحنات الغذاء والدواء والوقود للقطاع المحاصر عبر معبر رفح الحدودي بين مصر وفلسطين، هذا الموقف المخزي الذي وقفه الحكام العرب والمسلمين، دفع صنعاء للاعلان عن انخراطها في فعل عسكري مع الشعب الفلسطيني الذي يواجه حربا كونية، حربا أطرافها شعب أعزل وبضعة الأف من المقاومين بسلاحهم الذاتي المحدود، والطرف الأخر جيش صهيوني يصنف الأول علي مستوي المنطقة وذات قدرات نووية وأسلحة هي الأحدث عالميا، ومعه والي جانبه دول عظمي منها أمريكا وفرنسا وبريطانيا، وبقية الدول الغربية، وأكثر من طرف عربي للأسف أصطف بطريقة أو بأخري لمناصرة الصهيوني والأمريكي، هذه المواقف لاشك أنها غير مقبولة في منهج صنعاء وقناعتها رغم ضروفها، وأنها لا تزل تحت الحصار المفروض عليها من قبل ذات الأطراف التي تشن عدوانها علي الشعب العربي الفلسطيني، ليأتي تأكيد صنعاء علي الأنخراط عسكريا لنصرة المقاومة في فلسطين وهو موقف رغم خطورته وفق القناعات العربية الرسمية إلا أن فائض الكرامة والحرية لدي صنعاء تجاوز الحسابات الضيقة لأنظمة الذل والارتهان فاطلقت صواريخها ومسيراتها نحو الكيان ومستوطناته المحتلة، ولم تتوقف صنعاء هناء بل لفتت الأنظار نحو البحر الأحمر ومضيق باب المندب وإمكانية جعلهما في قلب المعركة وجزءا من اسلحتها، بعض الاغبياء لم يستوعبوا مرامي صنعاء وأهدافها الإستراتيجية من الأشارة للبحر الأحمر ومضيق باب المندب وأعتبروا الإشارة رغم استراتيجيتها وابعادها شكلا من أشكال الدعاية وهولاء للأسف لا ينظرون لأبعد من تحت أقدامهم، غير أن هناك أخرين أدركوا جيدا أهداف صنعاء ولا أعتقد أن قرار مجلس الأمن ليلة أمس وهو الأول من نوعه منذ أربعين يوما والقاضي بهدن إنسانية وبغض النظر عن فعالية القرار من عدمه لكنه لم يأتي جزافا بل وفق حسابات دولية، حسابات تري في إشارة صنعاء للبحر والمضيق فجوة في مخطط استهداف قطاع غزة لم يحسب حسابه، وهذا الفعل سيأتي تباعا بتبدل مواقف وتغير سياسات وقناعات إقليمية ودولية وسيجبر العدو ذاته علي مراجعة حساباته..؟!
الأمر لم يقف هناء بل يتصل بهوية النظام العربي ودوره ومواقفه من الجرائم الصهيونية والعلاقة مع أمريكا، وأيضا لفهم النظام العربي ذاته لمفهوم الأمن القومي العربي وأين يبدا؟ وأين ينتهي؟ ومتي يتم تفعيل أدواته، ولا أعتقد أن هناك لحظة تاريخية أهم من هذه اللحظة لتفعيل أدوات الأمن القومي العربي وهذا ما أشار اليه السيد عبد الملك الحوثي، وهذا ما لم تستوعبه أدوات الارتزاق الذين أتخذوا من هذه المواقف مثالا للسخرية ولكنهم للأسف جعلوا من أنفسهم محطة للسخرية من أبناء الشعب اليمني وأبناء الأمتين العربية والاسلامية ومن المجتمع الدولي الذي أخذ بجدية مواقف صنعاء وراح يراجع حساباته ومواقفه مما يجري في المنطقه وهذا ما سوف تكشفه الأحداث قريبا.