من أنت؟...
سؤال لو وضع على أينشتاين اذكاء رجل في العالم لكانت اجابته ضمن حدود معرفته الرياضية، كذلك السؤال ذاته لو تم وضعه على كلاً من داروين وكار ماركس وسيجموند فرويد لوظف كل واحد فيهم اجابته وفلسفها من حيث يرى تأثير وتأثر الإنسان بنظرياته ومفاهيمها وارتباطه بوجودها... فترى داروين ينظر إلى الإنسان من حيث كونه هندسة وراثية.. وتجد ماركس يعتبره كره تتنقل بين البرجوازية والبروليتاريا... ويحدده فرويد بعتباره نتيجة نمو جنسي كبت في احد مراحل نموه، وليس هذا يعني أنهم مخطئون في تفسيرهم واجاباتهم فهولاء الأربعة قد غيرو مجرى التاريخ واحدثوا تطور مذهل في علاقة الإنسان بالكون والحياة وغيرهم الكثير من العلماء والفلاسفة أيضًا ينظرون إلى الإنسان بما يتوافق وتناسب مع رؤيتهم التي يسعون من خلالها إلى حقيقة هذا الكائن البشري... والغاية من هذا السعي هو الوصول إلى أعلى درجات الأمن والاستقرار والتكيف بالحياة على هذا الكوكب الصغير الغامض المليئ باسراره العميقة والعظيمة في آن واحد المرتبطة بوجوده... ولهذا قام هذا الكائن البشري الحي في البحث والدراسة والتنظير حول كل ما هو محيط به عرفه وسيعرفه يخص هذه الأرض الذي نعيش بها وهذا الكون الذي نسبح فيه، ولكنه مع كل هذه المعارف والاكتشافات الذي أحدثها قد نسي أن يكتشف ذاته ويتعرف عن نفسه فظل الإنسان ذلك المجهول تجهل نفسه نفسها .
فمن هو الإنسان؟... ما حقيقته؟... آهو شيء مادي ام معنوي؟... بما يستجيب لافراحه واحزانه باعضاءه ام بوجدانه؟
الحقيقة أن جميع هذه الأسئلة تضع من يحاول الإجابة عنها أمام سؤال فلسفي وجودي جوهري وهو
من أنت؟... من أنا؟... من هو؟
ونحن إذ نبحث بشكل أدق وأكثر تعمقا في حقيقة كينونية الإنسان سنجد أنه ليس سوى عباره عن شعور من شعور إلى شعور في شعور اي انه كتله من المشاعر والإحساس التي من خلالها يتركب، ومن خلالها يوجد، ومن خلالها يفنا... فهو في اصله شعور وجودي من شعور غرائزي شهواني كان في صلب ابيه إلى شعور تكويني في رحم والدته في شعور وجداني بالحياة، ولهذا فإنه يتفاعل ويتاثر ويؤثر نفسيا وجسديا بشكل متزامن مع كل ماهو محيط به فحين يغضب ينفعل والغضب شعور وجداني نفسي يؤدي إلى سلوك عضوي جسدي هو الانفعال وهذا ما اسميه التفاعل السيكوفسيولوجي Interacting Psycho_physiological وهذا قانون هام لدى الإنسان حيث كل خبره حسيه لديه تصاحبها خبره نفسية والعكس كذلك صحيح فمع كل خبره نفسية تصاحبها خبره حسيه وكل هذه الخبرات تتحد وتتشكل كخريطة نفسيجسمانية Psychosomatic يحتل فيها الألم الحيز الأكبر فيسجل في الذاكرة كل تلك المواقف المؤلمة والخبرات الصادمة فتعتصر نفسه بالم النفس وهو الألم الحقيقي الذي يهيمن عليه ويشعر به وهو ينهش أجزاء جسده من الداخل ويضرم النار بأعضاءه فتلتهم كل جزيئاته وتعطل كل آلياته عن العمل فيصيبه العذاب... والعذاب يولد من صلب الألم ويخرج من رحم المعاناة النفسية التي تمر بها الشخصية الحائرة حين لا تستطيع التعبير عن مشاعرها الحزينة ووجدانها اليتيم وعواطفها المبتورة سوى بصورة ألام جسدية واختلالات عضوية، فتضعف عضلات القلب وتنقص التروية الدموية ويضطرب ضخ الدم لديه وهذا يشعره بألم شديد في الصدر هو في الحقيقة ألم الفقدان الذي يمزق شيئًا من عضلات قلبه نتيجة الحزن الشديد وانكسار الخاطر الذي قد يتعرض له وهو بتحديد ما يحدث في متلازمة تاكوتسيوبو Takotsubo او متلازمة القلب المكسور Broken Heart Syndrome كما يحب الأغلب تسميته وهو الاسم الاخر والانسب كونه ذو طابع رومانسي وتعبير عاطفي للمصابين في مثل هذه الحالات، وما ابشعها من حالات وافضعها من آلام تعصف بذلك الكيان الواحد الذي لا يتجزأ او ينقسم بل كله واحد يشكلان ذلك الكائن المغلوب على أمره يدعى الإنسان، يرسمان له خريطة عبور وتاشيرة سفر لرحلة حياة ذات خطه زمنيه محدد فيها وجوده ونفيه... سعادة وتعاسته... فرحه وحزنه... صحته وسقمه... ضحكته ودموعه... وقد يقرران أن يجعلا هذا المسكين يجتمع بنقيضين في آن واحد فيشعر بسعادة وتعاسه حين يكون القدر قد اراد أن يجمعه مع من يحب في ظل واحد ولكن القدر ذاته يمنع عنهم رغد الحياة... وتجتمع الاحزان مع الافراح في قلب ذلك الذي أنهى دراسته بتفوق عالي وحصل على وظيفة مرموقه لكنه في ذات الوقت لا يجد أحد شاركه هذه السعادة... كذلك تلك الفتاة ممزوجة المعنى تداعب ضحكتها دموعها الثكلى حين تتسلم وسام الشرف للجندي البطل نيابة عن حبيبها الذي فقدته في احد معارك النضال الوطني... وتلتحم الصحة بالسقم بمن تموت نفسه دون جسده، وانتحرت عواطفه دون احساسه، وتالمت كينونته دون كيانه... فتتذا أعضاءه بوجدانه... فتصرخ روحه المعذبة بجسده وتنادي نفسه الموجوعة باوجاعه والامه الحسية في جسمه... وليس يكون هذا إلا من خلال إتحاد وتوحد وتلاحم النفس بالجسد كتله واحده متلاحمان وممزوجان في كيان واحد هو أنت... وأنا...وهو، فأنفسنا هي أجسادنا... واجسادنا هي أنفسنا ولهذا ما يؤلم النفس يؤلم الجسد... وما يؤذي الجسد يؤذي النفس
السبب Causes : هي كلمه، موقف، فقدان، حرمان، أجهاد عاطفي Affection Stress شديد ينهك قلب الإنسان بقوة نبضاته المتسارعة حتى تتمزق عضلاته ويضعف ضخه للدم وهذا نتيجة ألم الحب فكل شيء يبدأ بحب وينتهي بالم الحب... فحقيقة الاحساس بالألم هو استعادة لحظات الحب... تجربة الحب... فقدان الحب... مواقف الحب
فعند فقدان المصاب شيئًا يحبه ينكسر قلبه انكسار فعلي حقيقي كما أكده أطباء القلب واثبتته الدراسة الذي تقول انه حينما يدخل الإنسان في صدمه عاطفية Affectional Shoake شديدة تشتد نبضات قلبه حتى تتمزق خيوط موجوده في القلب تسمى خيوط النياط ملتصقه بعضلته أثناء الحزن الشديد وعند حدوث هذا يصبح القلب مكسور فعليًا، وهنا يشعر المصاب بأعراض وعلامات مفاجئة شبيها بأعراض وعلامات النوبه القلبية ولكنها ليست كذلك وإنما هي أن صح لي التعبير أزمة نوبه عاطفية كونها تحدث إثر صدمه عاطفية او جهد عاطفي أو بدني إذا صاحبه عدم رضا نفسي وبشكل مفاجئ دون سابق إنذار وهذا ما يميزه عن الإصابة بالازمة القلبية Myocarditis وذلك لان هذا المرض ذو الطابع الرومانسي أي القلب المكسور يؤثر على مجرد جزء من القلب فقط فهو يعوق لفترة وجيزة تلك الطريقة التي يقوم القلب بضخ الدم بها ويستمر القلب أو باقي أجزاءه في العمل كالمعتاد، إضافة إلى كونه مؤقت عادة ينتهي بنتهى السبب المسبب له أو خلال فترة زمنية محدده، ولكن قد يستمر الشعور بالإعياء بعد شفاء القلب وقد يؤدي إلى الوفاة Death لدى البعض ذلك نتيجة الانقباض القوي للقلب الناتج عن الحزن الشديد أو الألم الوجداني العميق الذي يؤدي إلى الألم العضوي فيتالم لألمه فيضيق تنفسه ويوجع صدره وجع شديد وتتغير تخطيط قلبه الكهربائية ECG فيوحي بذلك الأصابة باحتشا عضلة القلب Myocardial Infarction ويسوء تنظيم الهرمونات في جسده... ويعود حدوث هذا إلى أرتفاع مستويات الكاتيكولامين Catecholamines في الدم وخصوصا في الادرينالين أزاء الإجهاد العاطفي المبذول في النفس البشرية بعد أن كان في قمة سعادته ونشوته العاطفية الذي يشعر من خلالها لذة الوجود وحلاوة الزمان وعذوبة المكان، أصبح الآن يذوق مرارة الوجود بنفس المكان والزمان الذي كان معاه أثناء نشوته... فيالغرابة الإنسان من كائن عجيب تتباين وتتجانس عواطفه ووجدانه في مكان واحد وآن واحد، فتغيره الصعوبات.. وتبدله المواقف.. وتحدد نوعه العلاقات فيصبح بذلك أما سوياً أو نصف سوي، أو مريض طول الوقت أو بعض الوقت وقد وجد بجسد واحد.. ونفس واحدة، على الرغم من كون هذا هو المعيار الأساسي الذي يجسد معنى التكامل الوجودي للإنسان وهو أن الحقيقة هي التناقض وأن الإنسان مابين وجود الشيء واللاوجود هو المعنى الحقيقي الذي يسعى له الإنسان نحو السعادة فكل شيء له ضده الذي يناقض أو بالأصح له جزءه الآخر المخالف له والمكمل له والذي لا يكون إلا به، وهذا أسمى آيات الإبداع الإلهي المتجسد في كيان هذا الإنسان الكائن الذي يبدو أنه يحمل في كيانه تفسيرين متناقضين في حقيقة معناه ولكنه في ذات الكيان يجد أن كل متناقض حقيقي في تفسيره... ولهذا فإنه ليس فقط الإجهاد العاطفي وألم الفراق لما نحب وحده من يسبب متلازمة القلب المكسور فقد يحدث أيضًا بسبب السعادة المفرطة نتيجة حدوث أمر سار مفاجئ أو غير متوقع، إضافة إلى بعض الإصابات العضوية كالعمليات الجراحية والاجهاد العصبي الذي يؤدي إلى أرتفاع هرمون الادرينالين وكذلك حوادث السقوط... وهذا ما أكده أيضًا أخصائي القلب كريستان تميلين في دراسة نشرت في مجلة بوروبيان هيرت جورنال الأوروبية المعنية بابحاث القلب... كما يقول باحثون أن هناك إشارات توالت في بحثهم تدل على تأثير المخ على وظائف القلب عثر عليها وهذا أيضًا ما برهن عليه الباحثون عام 2018 تحت إشراف تميلين أن هناك بالفعل فروقا بين مصابي متلازمة تاكوتسيوبو وغيرهم في مناطق المخ التي تلعب دوراً مهما في معالجة العواطف، وفي هذا دلاله واضحة على مدى تأثير شجون الحب على الإنسان بكل كيانه الوجدانية والجسدية فهو قداسة القداسه ولهذا كنت ومازلت وساظل أحمل الحب عنوان دعوتي لكل من يرجو الشفاء من الأمراض النفسية على مدار رحلتي المهنية في الطب النفسي فهو حياة من لا حياة له وكيان من لا كيان له وثورة وجود لمن لا وجود له بالفطرة كان وبالمعرفة يكون... يخمل بالقسوة وليس يموت... ولقد تبين للباحثين في دراسة تحليل نشاط مناطق المخ الذي قُرن فيها بين 15 مخ مصاب مع 39 مخ لاخرين أصحاء من خلال إستخدام الرنين المغناطيسي الوظيفي أن مناطق المخ المسؤلة عن معالجة العمليات العاطفية ليست عند المرضى بنفس القدر من القوة عند الأصحاء... كما تبين حدوث متلازمة القلب المكسور عند النساء أكثر من الرجال بعد 50 عام
ولتشخيص Diagnosis : مثل هذا المرض الشاعري يقوم الطبيب المعالج بطلب سلسلة من الفحوصات Investigations للدم وانزيمات القلب وتخطيط القلب أيضًا إضافة إلى قسطرة قلبيه لتفريق بين متلازمة تاكوتسيوبو والنوبه القلبية لان كل من يعاني من ألم في الصدر وضيق في التنفس يشخصه الأطباء مصاب بنوبه قلبيه إلى أن يثبت العكس، حيث يكون الفرق بين متلازمة القلب المنكسر والنوبة القلبية الحادة؟
النوبة القلبية أو الجلطة القلبية عادةً ما تنتج عن انسداد كامل أو شبه كامل في أحد شرايين القلب، وهذا الانسداد عادةً ما ينتج من إنغلاق الشرايين بسبب تراكم الدهون والكوليسترول على جدرانها.
أما في متلازمة القلب المنكسر أو متلازمة تاكوتسيوبو لا يحدث أي انسداد للشرايين، وإنما يحدث اضطراب مؤقت في تدفق الدم فيها مع بقائها مفتوحة.
وعلى الرغم من أن متلازمة القلب المكسور لا يؤدي غالبًا إلى
مضاعفات Complications : خطره إلا أنها إذا ما حدثت تكون شديدة حيث تأتي باستسقاء رئوي، اضطرابات في نبضات القلب، فشل في عضلة القلب، الوفاة ( الموت ) احيانا!... نعم انه الموت احد نتائج الإصابة بمتلازمة القلب المكسور الذي يصيب الإنسان ذو التكوين الشاعري والإحساس التراكمي من قبل ظهوره البيولوجي، حين يتشوه عالمه الداخلي فتنكسر حصونه العاطفية وتهدم قلعته الوجدانيه فلا يستطيع مقاومة ألم الاحتواء المفقود فيردا صريع البحث عن الوجود بميدان الرضا والقبول
وفي حين أن متلازمة القلب المكسور او تاكوتسيوبو لا يوجد له
علاج Treatment : نوعي او خاص به فعادةً ما يعطي المصاب بمتلازمة تاكوتسيوبو أدوية تساعد في تنظيم نبضات القلب أو إدرار البول لتخفيض العبء على عضلة القلب.. ومعظم المرضى يتعافون خلال أيّام أو أسابيع، بعدها بفترة قصيرة يتم إيقاف الأدوية دون الحاجة للاستمرار بها على المدى الطويل.. مع استمرا الألم لفترة لا بأس بها بعد الشفاء... الا أن العلاج الحقيقة والفعال لمرضى القلب المكسور هي الاهتمام والاحتوا والشعور بالوجود ولا يكون هذا إلا بالحب وتشبع الإنسان به فهو دواء لكل الأمراض النفسية منها او الجسدية، كما جاء في دراسة لاطباؤ بريطانيين اجروها على مجموعة من المرضى المتواردين إليهم حول مدى علاقة العاطفة بأعضاء الجسم فتوصلو إلى أنه لا يمكن للإنسان أن يصاب بأي مرض نفسي او عضوي طالما حالته العاطفية جيده... وهذا ما يعني أن الحب هو دواء كل داء، وهو كلمة السر وروعة السحر ومنبع النور، وهو كذلك الجراحة الناجحة لكل القلوب والإجابة الأخيرة لكل التساؤلات... يبدأ بالاحساس والقبول ويثبت بالإقبال والاحضان حيث اثبتت الأبحاث العلمية الحديثة انه من المهم جدا أن يمارس الإنسان الاحتضان في حياته وخصوصا مع من يشعر معهم بالمودة والحب من أجل أن يعيش بصحة وسلامة جسديا ونفسيا جيده ففي متوسط الحد الأدنى لحدوث الصحة النفسية والجسدية يحتاج كل شخص إلى أربعة أحضان يوميا من أصل 12 حضن ليصل الإنسان لكمال النمو الصحي والنضج النفسي، كما يقول الطبيب النفسي المصري الدكتور محمد طه في كتابه الخروج عن النص من جديد
إذاً الحب احتياج نفسي جسدي لا غنى عنه فهو الوجود واصل الوجود وكل الوجود.. فلا حياة بلا حب ولا حب بلا حياة... ولو كنت نبيا لجعلت رسالتي الحب، ودعوت أتباعي لتعبد على مذهب الجمال، ووعدتهم بحياة خالدة السعادة، معجزتي وضع القبلات في خدود بعضهم، كتابي السماوي أحبك... فمن لم يعرف الحب لن يعرف معناه
فدمتم ودامت قلوبكم عامرة بالمودة
مليئة بالمحبة والاحبة
خالصة خاشعة للحب والسعادة