َعرف ما إذا كان انعقاد القمّة الخليجيّة الثامنة والثلاثين المُقبلة في كانون الأول (ديسمبر) في الكويت هي “ضَربة حظ”، وصُدفة “طيّبة”، جاءت في التوقيت المُلائم، أم لا، باعتبار أن أميرها الشيخ صباح الأحمد، يتحمّل عِبء الوساطة في الأزمة الخليجيّة الحاليّة التي استعصت على الحَل حتى الآن، ولكن ما نَعرفه أن الدول الخليجيّة الثلاث المُقاطعة لدولة قطر مُتمسّكة بمَواقفها وتَستعد لإجراءات تصعيديّة جديدة في الأيّام المُقبلة.
سؤالٌ آخر ربّما أكثر أهميّةً، وهو حَول مُستقبل هذه القمّة، وهل ستُعقد أم لا؟ ومن سيُشارك فيها؟ وبالتّحديد هل سيَتم توجيه الدّعوة إلى دولة قطر وأميرها الشيخ تميم بن حمد؟ وهل سيَقبل زُعماء الدّول المُقاطعة (بضم الميم) الجُلوس على نفس المائدة معه، مِثلما جَرت العادة في القِمم السّابقة؟
ربّما يُجادل البعض بأنّ طَرح هذه الأسئلة سابقٌ لأوانه، لأن القمّة ستُعقد بعد ثلاثة أشهر، ويُمكن أن تتغيّر الكَثير من الأمور قبل هذا التاريخ، ولكن لم يَكن الرّد على هذه النّقطة المُهمّة والصّحيحة نظريًّا، بالقَول أن الاستعدادات لهذه القمّة تبدأ قبل أشهر من انعقادها، بعقد اجتماعات لوزراء الخارجية، وتحرّك الأمانة العامة للمجلس ومقرّها الرياض، في وَضع الترتيبات اللّازمة، ومن بينها الأفكار الرئيسيّة في البيان الختامي.
هناك مُؤشراتٌ مُؤكدّة بأن القمّة المُقبلة لن تكون مِثل القِمم الـ37 التي سَبقتها وستَكون “مُزدحمةً” بالمُفاجآت من الوزن الثقيل، وَيذهب بعض المُتشائمين إلى درجة الجَزم بأن حُظوظها من الانعقاد قد تكون مَحدودةً جدًّا، إن لم تَكن مَعدومة.
الوساطة الكويتيّة التي يُعوّل عليها كثيرون لإحداث اختراق مُهم في لحَلحَلة الأزمة، وإيجاد مَخارج منها، وصلت إلى طريقٍ مَسدودٍ، ولعلّ زيارة أمير الكويت الحاليّة لواشنطن، واجتماعه المُقرّر يوم الخميس المُقبل مع الرئيس دونالد ترامب قد تكون الفُرصة الأخيرة لحُدوث هذا الاختراق، بالنّظر إلى الاتصال الذي تم قبل أيّامٍ بين الرئيس الأمريكي والعاهل السعودي حيث طالب الأول، أي ترامب، بإنهاء الأزمة الخليجيّة بإيجاد حل دبلوماسي للتفرّغ للخَطر الإيراني.
مَصادر خليجيّة أكّدت لـ”رأي اليوم” أن قطر تَدرس فِعلاً مسألة استمرار عُضويتها في مجلس التعاون الخليجي، وأن هناك مدرستين تتجادلان حول هذه المسألة في إطار مُؤسّستها الحاكمة:
الأولى: تُطالب بالانسحاب من المجلس بعد تفاقم الأزمة، واتخاذ الدول المُقاطعة (بضم الميم) لقطر إجراءات مُقاطعة قويّة، وتمسّكها بمَوقفها، واستضافة السعودية وإعدادها “لأميرٍ بديلٍ” هو الشيخ عبد الله بن علي آل ثاني، واعتباره مُمثّلاً لدولة قطر ورعاية شُؤونها في المملكة، وربّما دول خليجيّة أُخرى، وتجنّب احتمال تدخّل قوّات “دِرع الخليج” عسكريًّا في قطر، على غِرار ما حَدث في البحرين تطبيقًا للمُعاهدة التي قام على أساسها مجلس التعاون.
الثانية: تُجادل بأهميّة استمرار عُضوية قطر والبقاء في المجلس حتى اللّحظة الأخيرة، وتَرك مَسألة إبعادها للطّرف الآخر.
لا نَعرف حقيقةً أي من المَدرستين سيَنتصر، ولكن من تابع التّصريحات التي وَردت على لسان الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، وزير الخارجية القطري، يوم أمس في بروكسل، ربّما يتوصّل إلى قناعة بأن مدرسة الانسحاب هي الأرجح، خاصّةً الفقرة التي قال فيها، ونَنقل عنه حرفيًّا، “لدينا ثقة في مجلس التعاون كمنظمة، ولكنّنا لا نَعرف ما إذا كانت هذه الثّقة ستَستمر مُستقبلاً”، وأضاف “يجب أن يكون مجلس التعاون بيئةً تعاونيّةً وليس بيئة إملاءات من قِبل الدّول الأُخرى”، واتهم الدّول التي تُقاطع بلاده “بالدّعوة إلى تغيير النّظام في قطر ودعم حركات تنتهج العُنف”.
لهجة الشيخ بن عبد الرحمن جديدةٌ على أسماعنا، وتَعكس صورةً تشاؤميّةً حول إمكانيّة استمرار دولة قطر في مجلس التّعاون، وربّما التمهيد للانسحاب.
القمّة الخليجيّة المُقبلة ربّما تُضيف صُداعًا جديدًا مُزمنًا لأمير الكويت، بالإضافة إلى صُداع الوساطة، وهو زعيم لا شكّ مُطلقًا في خِبرته وحِرصه على الحِفاظ على وِحدة وتماسك مجلس التعاون الخليجي، ولكن الأزمة في رأينا دَخلت مَرحلة اللاعودة، وباتت حُلولها شِبه مُستحيلةٍ، و”اتسع الخَرق على الرّاقع″، رغم مَهارته، ويُؤسفنا أن نُكرّر هذه المَقولة مرّةً أُخرى لأنها الأكثر دقّةً في تَوصيف الحالة.