توجه دولي لحل أزمة اليمن.. ولقاءات سرية في عُمان

جدية في حل الملف اليمني المعقد بدأت تظهر في التحركات الدبلوماسية الجديدة التي شهدتها الأيام الماضية ابتداءً من تعيين مبعوث أممي جديد إلى اليمن، مرورا باجتماع الرباعية وانتهاء باجتماعات عمان السرية التي استضافت وزير الخارجية البريطانية ورئيس وفد صنعاء المفاوض، علاوة على مؤشرات عدة أبرزها الإعلان السعودي عن مساعدات تشمل كل المناطق اليمنية وتستهدف بشكل خاص مناطق خارج سيطرة قوات التحالف.

جونسون وعبد السلام في عُمان

تواترت الأنباء منذ أمس الأول عن اجتماعات سرية شهدتها العاصمة العُمانية مسقط جمعت وزير الخارجية البريطاني بوريس جونسون من جهة والناطق باسم أنصار الله رئيس الوفد المفاوض عن أطراف صنعاء محمد عبد السلام من جهة أخرى، دون أن يتم الكشف عن مخرجات هذه اللقاءات حتى الآن.

مصدر سياسي أكد لـ”البديل” أن رئيس الوفد المفاوض عن أطراف صنعاء انطلق على متن طائرة تابعة لسلاح الجو العُماني الخميس الماضي إلى العاصمة مسقط للمشاركة في لقاءات وصفها المصدر بالسرية، مرجحا أن عبد السلام لم يلبث أن عاد في اليوم التالي بصحبة شخصيات عُمانية وعربية لم يُفصح عنها.

يتطابق ذلك مع أنباء نشرتها وكالة الأنباء العمانية الرسمية التي أكدت تسيير سلاح الجو العماني رحلتين إلى العاصمة صنعاء، وبحسب الوكالة فإن الرحلتين تأتيان في سياق الجهود الإنسانية للسلطنة للتعامل مع الأوضاع في الجمهورية اليمنية، مؤكدة أنه تم خلال الرحلتين إعادة مجموعة من العالقين والجرحى اليمنيين الذين استكملوا علاجهم في السلطنة بالإضافة إلى نقل دفعة جديدة من الجرحى اليمنيين من اليمن إلى السلطنة لتلقي العلاج اللازم.

وبحسب المصدر فإن زيارة عبد السلام تأتي بالتزامن مع زيارة وزير الخارجية البريطاني بوريس جونسون للعاصمة العمانية مسقط في سياق تحركات تفاوضية سرية تمهد لجولة مفاوضات قادمة لحل الملف اليمني الذي يتفاقم منذ أكثر من ألف يوم. المصدر أوضح أن بريطانيا التي تتبنى ملف اليمن في مجلس الأمن حاليا، بدأت بالتحرك لإحياء مسار الحل السياسي للأزمة اليمنية، وهو ما يفسر تغيير المبعوث الأممي إسماعيل ولد الشيخ بالدبلوماسي البريطاني مارتن جريفيث.

وكان قد وصل وزير الخارجية البريطاني بوريس جونسون إلى سلطنة عمان يوم الأربعاء في زيارة هي الثانية من نوعها خلال أقل من شهرين لبحث سبل إحياء المسار السياسي في ملف الأزمة اليمنية، وبحسب بيان الخارجية البريطانية فإن الوزير جونسون يفترض أن يعقد اجتماعات مع القيادة العُمانية ثم السعودية لبحث سبل التوصل إلى حلول سياسية للصراع في اليمن.

وقالت الخارجية البريطانية في بيان سابق إن الوزير جونسون سيعقد اجتماعات مع القيادة العُمانية ويسافر إلى الرياض لإجراء اجتماعات مماثلة، مشيرة إلى أن اجتماعاته ستركز على إحراز تقدم تجاه التوصل لحل سياسي للصراع في اليمن.

البيان أكد على لسان الوزير البريطاني قوله: لسلطنة عمان والمملكة العربية السعودية دور هام في المنطقة، وخصوصا لإيجاد حل سياسي للأزمة في اليمن، وفي اجتماعاتي هذا الأسبوع، سوف أجدد التأكيد على أن لا حل عسكري وأن محادثات السلام هي الحل الوحيد طويل الأجل للشعب اليمني.

بريطانيا تسوق لمبادرة حل جديدة

التحركات البريطانية جاءت بعد أيام قليلة من اجتماع اللجنة الرباعية في باريس الذي ضم وزراء خارجية بريطانيا والولايات المتحدة والسعودية والإمارات لبحث ملف اليمن، الأمر الذي يعطي مؤشرات قوية بقرب الإعلان عن انعقاد جولة مفاوضات جديدة بين الأطراف اليمنية.

وكانت قد أعلنت وزارة الخارجية البريطانية أن الاجتماع المقبل للمجموعة الرباعية حول اليمن سيكون مطلع شهر فبراير المقبل، ولم تحدد الوزارة المكان المرتقب للاجتماع، إلا أن مصادر رجحت أن يكون في العاصمة البريطانية لندن. وكشفت مصادر دبلوماسية عن تسويق بريطاني لمبادرة جديدة للحل في اليمن بالتنسيق مع عواصم إقليمية ستشمل طهران التي زارها جونسون مطلع الشهر الجاري.

وبينما أشارت المصادر إلى أن المبادرة لن تتجاوز الرؤى التي توقفت عندها جولات الحوار السابقة بين الفرقاء اليمنيين في الكويت، يرجح المصدر السياسي في حديثه لـ”البديل” أن أطراف صنعاء ستتعاطى مع أي مقترحات بسقف أعلى من السقف السابق، مستندة في ذلك إلى وضعها العسكري الذي بات أقوى من السابق، لا سيما في ظل امتلاكها قدرات ردع صاروخية وصلت إلى الرياض وتطال أهداف طويلة وقصيرة المدى داخل المملكة.

السعودية تغلف التفاهمات بالمساعدات

وكانت قد توالت الإشارات بوجود تحركات باتجاه إحياء المسار السياسي الرامي لإيجاد حلول للأزمة اليمنية بعد فشل العمل العسكري المتواصل على مدى ما يقارب الثلاثة أعوام ولم يسفر سوى عن نتائج كارثية على مستوى الوضع الإنساني في اليمن، وخسائر اقتصادية وعسكرية تكبدتها دول التحالف خاصة السعودية التي بدت آثار الحرب على وضعها الاقتصادي وفشلها العسكري في الحدود.

مراقبون اعتبروا أن زيارة نائب المبعوث الأممي معين شريم إلى العاصمة صنعاء مطلع الشهر الجاري وإعلان المبعوث الأممي إسماعيل ولد الشيخ أحمد استقالته إضافة إلى ما سبق ذلك من دعوات دولية للحل السياسي للأزمة اليمنية والاعتراف بفشل الحل العسكري، كلها بمثابة إشارات على وجود توجه دولي وإقليمي يرمي إلى إيجاد صيغة حل سياسي لملف اليمن.

وبحسب المراقبين فإن ظهور السفير السعودي في نهاية ديسمبر الماضي في مؤتمر صحفي مع ممثلين في البرلمان العربي مستحضرا اتفاق السلم والشراكة يُعد إشارة إلى القبول بالمفاوضات والحل . كما أن إعلاميون وسياسيون في صنعاء اعتبروا إعلان السعودية عن حملة مساعدات قيمتها مليار ونصف دولار بمثابة خارطة طريق لوقف النار في الجبهات المشتعلة، معللين ذلك بكون تلك الحملة تشمل كل اليمنيين بدون استثناء وتتحدث عن تعبيد وإصلاح الطرق والممرات لوصولها إلى كل مكان باليمن، الأمر الذي يقتضي أن يكون هناك تطبيعا مسبقا للوضع المتوتر في المعابر بشكل خاص.

واعتبر محللون تحديد مأرب كمحطة لجسر المساعدات يمكن أن يفهم منه أن السعودية تستهدف المناطق الشمالية بشكل أساسي وليس الجنوبية وإلا لكانت عدن أو المكلا هي المحطة الأولى، كما أن التأكيد على فتح منفذي الخضراء والطوال الحدودين لعبور شاحنات المساعدات برغم أنهما منطقتي اشتباكات وتوتر عسكري، قد يفهم منه أن ثمة ترتيبات ضرورية مصاحبة لوقف النار في الحدود وسحب المقاتلين.

الأمر نفسه تكرر مع حديث بيان السعودية عن أن من حق أيّ دولة من دول التحالف توجيه أيّ رحلات إلى مأرب، والعاصمة صنعاء كذلك مناطق الداخل اليمني بالتنسيق مع المنظمات غير الحكومية، إضافة إلى تسمية ميناء الحديدة ضمن الممرات الآمنة التي ستصل عبرها المساعدات والبضائع، مما يعطي إشارة واضحة إلى التوجه لفتح مطار صنعاء والتراجع عن اعتبار الحديدة هدف عسكري، وهو ما يعزز الاعتقاد بأن ثمة تطبيع من نوع ما يجري الترتيب له في سياق تفاهمات معينة.

إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص