أحلام المقالح*
ثلاثة أصوات نسائية حطمن جدار الصمت وتحدثن بشجاعة عن قصصهن اللواتي تعرضن فيها للتحرش الجنسي في أماكن عملهن، يقولن للنساء العاملات:“ الإيمان بأن التحرش جريمة والإفصاح عنه جزء من الحل، فالنساء لن يكن مذنبات بنظر المجتمع وأنفسهن بعد ذلك”.
أغلق المكتب
شفيقة (34 عامًا) تسرد قصتها قائلة: منذ أول يوم دخلت فيه مكتب المدير لأقدم له طلب مساواتي بزميلاتي في الراتب، شعرت بشيء يثير الريبة، من نظرات المدير الغريبة تجاه جسدي، أخذ المعاملة وأمرني بالعودة لها في اليوم التالي.
تتابع شفيقة حديثها لـ “صوت إنسان”: في اليوم التالي جاء المدير في نهاية الدوام، وذهبت إلى مكتبه لأخذ المعاملة، وما إن دخلت المكتب، نهض سريعًا وأغلق الباب، وألتف من خلفي، واحاطني بذراعيه بعنف حتى احتك بجسدي، حاول نزع نقابي، لكني انحت وجهه بيدي جانبًا، وقال بهمس “لا أحد سيسمعنا”. تصمت شفيقة ثم تواصل: بدأتُ بالتعرق والرجفة لكن استجمعت قواي وعضيت يده بشراسه ولذت بالفرار وأنا مرتعبة.
وتتابع شفيقة: ومن حينها لزمت البيت بسبب سوء حالتي النفسية، حتى وصلني إنذار بالفصل من العمل بسبب تغيبي.
بنبرة أسى عبرت شفيقه عن شعورها بالعجز حيال المتحرش الذي لم ينل عقابه، بعد إخفاءها الحادثة عن أسرتها؛ خوفًا من منعها من أن تعمل، وبسبب نظرة المجتمع تجاه من تتعرض للتحرش، وعن فقدانها للعمل، اكتفت بقولها: “الرزق بيد الله“.
طلبها للتنزه
ليلى (28 عامًا) تعرضت لتحرش من زميلها في العمل، حيث بدأ بإيذائها نفسيًا بالسخرية من لهجتها، وتحويل ألفاظ الى إيحاءات جنسية، فتقدمت بشكوى إلى مديرهم، الذي فاجأها بردة فعل عادية وطلب منها تغيير موديلات عبايتها، مما جعل زميلها يتمادى في عرض عليها المال مقابل الخروج للتنزه معه، وهددها بتشويه سمعتها في العمل إن رفضت.
لم تستلم ليلى له، وظل الأمر حبيس صدرها، وسبب لها الاختناق والخوف، مما جعلها تتحدث إلى صديقتها المقربة، والتي اقترحت لها أن تستخدم العنف معه أو ترك العمل.
تقول ليلى: “كنت أذهب للعمل متجاهلة الأمر، ولم أنصاع لهم، وكان المدير يتعمد توبيخي لأي خطأ اقترفه، ويغرقني بمهام إضافية عنوة، فتركت العمل، وحُرمت من مستحقاتي بحجة عدم إخبارهم بالاستقالة، وعدم تأمين موظفة بديلة”.
أرسل صورًا خادشة
منال (٣٠عامًا)، تسرد قصتها قائلةً: كنت أبحث عن مساعدات في الفيسبوك لحالة إنسانية، فتواصل معي شخص، يود التبرع، وطلب مني الحضور لمقر عمله لاستلام مبلغ التبرع.
تتابع منال: ذهبت إلى مقر عمله، وسلمني المبلغ ثم عرض عليّ أن اعمل في مؤسسته، فوافقت، وأثناء ممارسة مهامي، كنت أرسل له التقارير عبر الواتس اب، واستغرب من لغة رده البعيدة تمامًا عن كونه مدير وعن كونه شخص محترم، ومن ثم أرسل صورًا له بلباس داخلي.
وتتابع منال حديثها لـ “صوت إنسان”: كنت أرى بالتجاهل حلًا لمراهقته، لكن الأمر تفاقم حينما طلب مني ذات مرة وصف لباسي، وأرسل تسجيلات صوتية خادشة، مما جعلني أن أغلق الموبايل يومًا كاملًا.
استمرت منال في الذهاب إلى عملها، رغم الأرق البادئ على محياها نتيجة السهر والتفكير، حد وصفها، ثم تتابع: عشت بنفسية سيئة، وابتعدت عن الانترنت مدة أسبوع، حتى قررت المواجهة، وربطت جوالي بالإنترنت، حينها ووصلتني منه رسالة خادشة وأكثر جراءة.
بقرار منال للمواجهة وعدم الصمت، أرسلت له بأنها سجلت المحادثة فيديو، وهددته بأنها ستنشرها على صفحات الفيسبوك إن لم يتوقف.
تقول منال بأن مديرها حظرها من الواتساب، وبات يتحاشى رؤيتها.. وتفصح لنا بأنها ليست قلقة بشأن نشرها لقصتها هذه في أن تفقد عملها، فلن يكون ذلك أقسى مما تعرضت له، حد تعبيرها.
غياب العقاب
تقول الأخصائية الاجتماعية ثريا عز الدين، أن التحرش في بيئة العمل يحصل نتيجة غياب الأخلاق والقوانين الرادعة للتحرش، كما أن ثقافة المجتمع تجاه ما قد تتعرض له المرأة، أسهم كثيرًا في إخفاء المرأة ما قد تتعرض له، وإفلات المتحرش من العقاب والردع.
وتتابع عزالدين: سلوك التحرش يسبب إيذاء نفسي، فيظل في طي الكتمان بسبب النظرة التي تلاحق الناجية باعتبارها المذنبة الأولى في التحرش.
كسر الصمت
ثلاثة نساء فقط من بين رقم مجهول من الناجيات من التحرش بشكل عام والتحرش في بيئة العمل بشكل خاص، مشيرات بقصصهن أن الصمت سيزيد من عدد الناجيات وسيفاقم من التحرش، لذا جاءت قناعتهن بالتحدث ولو من خلف اسماء مستعارة تحميهن من نظرة المجتمع الجائرة لهن، لعلها تكون سببًا في كسر جدار الصمت عن ناجيات أخريات.
* صوت انسان