العم حمود ومليون شخص في مصر بسبب كورونا منهم ستة آلاف يمني بياناتهم في مكتب مفوضية شئون اللاجئين شاهد الاسباب التي منعت الباقيين من تسجيلهم

يحثّ حمود زبح الخطى مسرعا نحو منزله قبل حلول السابعة من مساء القاهرة، موعد بدء حظر التجوال الليلي ضمن إجراءات مكافحة كورونا في مصر، وهو يقبض بيديه على احتياجات أسرته القليلة التي اشتراها من سوق في حي فيصل بالجيزة، متجها لمسكنه البسيط الذي يستأجره منذ جاء إلى مصر قادما من اليمن قبل سنوات.

لم يدقق حمود كثيرا في اختيار مكان أفضل للسكن، فأيامه في القاهرة عابرة وإن طال المقام، كما قال للجزيرة نت.

أيضا لم يسجل نفسه كلاجئ، ولم يتقدم لطلب مساعدات من الجمعيات الأهلية، معتبرا أنه "من العار أن يقدم يمني على ذلك" موضحا أنه اعتمد على جهده في العمل بالتجارة كي يكفي حاجات أسرته.

 

ورغم الترحيب الذي لاقاه حمود من المصريين بداية الأمر، فإنه لم يترجم عملياً حينما اضطرته خسائر التجارة للبحث عن عمل بديل، فكان طلبه للعمل مؤخراً لدى مصريين يواجه بالاعتذار "ربما يكون المعتاد لدى المصريين عدم تشغيل العمالة اليمنية أو أن الأزمة الاقتصادية جعلت ظهور الجميع للحائط" حسب تعبيره، مما اضطره للعمل لدى مطعم يملكه يمنيون بنفس المنطقة.

وتقول تقديرات غير رسمية أن أعداد اليمنيين بمصر تبلغ مليون شخص، في حين سجل أقل من ستة آلاف يمني بياناتهم في مكتب مفوضية شئون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة في مصر، ويحصلون بموجب بطاقة صفراء على امتيازات محددة.

أوضاع صعبة
وتعيشة غالبية الأسر اليمنية في مصر أوضاعا اقتصادية متردية، من هذه الأسر عائلة آمنة الغبيري التي تقول للجزيرة نت "لم اتخيل أن يصل تدهور الأحوال المادية بأسرتي لهذا المستوى، فزوجي الذي كان يعمل بمقهى اشتهر بتجمعات اليمنيين في منطقة فيصل، جلس بلا عمل منذ قرار السلطات إغلاق المقهى نهائياً قبل أسبوعين خشية انتشار كورونا" وتضيف "لو استمر هذا الحال أكثر فسنموت جوعا".

وجاءت آمنة رفقة أسرتها لمصر قبل عامين، هرباً من الحرب في اليمن وذلك بعد رحلة شاقة للغاية، بدأتها من صنعاء للحديدة ثم لعدن بطرق فرعية، تفادياً لقصف التحالف الذي تقوده السعودية.

وبسبب التشدد في إجراءات دخول اليمنيين لمصر، ومنها ضرورة وجود تقارير طبية تؤكد احتياج اليمني للعلاج بمصر، دفعت أسرة آمنة ثلاثين ألف ريال مقابل التقرير الواحد (الريال اليمني يبلغ 0.0040 دولار أميركي).

نصائح من أقارب دفعت الأسرة للاستقرار بمنطقة فيصل لأنها الأرخص في تكاليف المعيشة من بين مناطق القاهرة المتقاربة التي يتوزع فيها اليمنيون بكثافة وهي مناطق فيصل والمنيل والدقي، ويصل متوسط إيجار الشقة شهريا في فيصل نحو ألف وخمسمائة جنيه (مائة دولار تقريبا) فضلا عن توافر الأسواق الشعبية الرخيصة.

لم تسجل أسرة آمنة بياناتها في المفوضية، مبررة ذلك بـ "عزة النفس" عن طلب المساعدة، رغم فقدان الكثير من الامتيازات والدعم الأممي بهذا الموقف.

وتلمس آمنة في المصريين طيبة وبساطة في التعامل وترحيبا وتقول "بالفعل هم أشقاء يحبون اليمنيين بصدق ويتعاطفون معهم، في مصر لا يوجد عنصرية ولا تعال ولا تفريق في المعاملة، وباستثناء صعوبة العثور على فرصة عمل بمقابل مناسب، فكل شيء هنا على ما يرام".

استثمار في الغربة
لكن كثيراً من اليمنيين في مصر لم يلجؤوا إلى هذه المنطقة لأنها الأرخص وبحسب، بل لأنها الأنسب للاستثمار، فعبد المجيد الشميري نزح من تعز جنوب اليمن، ليقدم خدمات لتجمعات اليمنيين الموجودين في منطقة الدقي بمصر التي يصفها بـ "صنعاء" المصرية من كثرة اليمنيين فيها.

ويقول الشميري للجزيرة نت "دفعت حوالي 18 ألف دولار للوصول إلى مصر نظراً لغلق المطارات باليمن وارتفاع تذكرة الطيران".

وتتيح القوانين المحلية لليمني الحاصل على إقامة سارية في مصر التقدم بطلب لم الشمل الأسري لقسم الجوازات بمجمع التحرير بمنح أقاربه المقيمين خارج مصر تأشيرة إلى مصر شريطة أن يكونوا أقارب من الدرجة الأولى، وتأتي الموافقة بعد استيفاء استعلامات أمنية عن المتقدم.

استقدم الشميري عدداً من أقاربه للعمل لمصر بهذه الطريقة، كما استثمر بعضاً من مدخراته التي جاء بها من اليمن إلى مصر في افتتاح مطعم للمأكولات اليمنية الشهيرة.

ويشير إلى أنه وجد صعوبة في بيع المأكولات لغير اليمنيين، فاضطر لإغلاقه والاكتفاء بنشاط السمسرة في العقارات وافتتاح مكتب لخدمة اليمنيين في الحصول على شقق بالإيجار مستعيناً فيه بمصريين يعرفون الأماكن ويستطيعون التفاوض مع ملاك العقارات.

تدهور الحال بعبد المجيد لم يكن استثناء بين اليمنيين الذين جاؤوا لمصر منتمين للطبقة الوسطى، فمع طول انتظار العودة ونفاد المدخرات والركود الاقتصادي بمصر، سقط معظمهم لطبقة أفقر، في ظل الاستثمار دون دراسة وافية للسوق المصري، وعدم ميلهم للحصول على الدعم الأممي الذي يقدم تسهيلات للاجئين لإعانتهم على افتتاح مشاريع.

اتخذ عبد المجيد من تجمعات اليمنيين على المقاهي هدفاً للترويج لمكتبه، وهناك سمع قصصاً مأساوية لليمنيين دفعته للتعاطف مع أصحابها ومحاولة مساعدتهم قدر جهده في ظروفهم المعيشية الصعبة.

وفي تجمعات اليمنيين على المقاهي -قبل إغلاقها- تبرز الرغبة في قتل الشعور بالغربة، فالمناطق الثلاث التي اشتهرت بسكنى اليمنيين متقاربة جغرافيا، وهو ما يسهل تساندهم الاجتماعي أيضاً رغم أن بعضهم نقلوا خلافاتهم الأصلية معهم لمصر، إذ يلقي كل فريق باللائمة على الآخر المنتمي للمخالفين فيما آلت إليه أوضاعهم وألقت بهم خارج بلادهم.

 
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص