باحث اجتماعي
منذ أن تسللت مشاريع الاستثمار في القطاع الصحي؛ ببناء المستشفيات، والمستوصفات، والمراكز الصحية..، في القطاع الخاص؛ بدأ الخلل في القطاع الصحي العام، ينمو ويتكاثر، شيئا، فشيئا، حتى قضى تماما على خدمة الصحة المجانية، وتحول القطاع الصحي العام، إلى قطاع استثماري؛ يعمل وفقا لمبادئ شروط البنك الدولي؛ الملزمة، وفقا لاتفاقية القروض. من ثم، بدأ قطاع التعليم العالي، يعاني نفس المشكلة، بعد أن بدأ الاستثمار الخاص بالدخول في مجال التعليم العالي. وبرغم رداءته، وضعف جودته، إلا أنه حصد ترليونات، من جيوب المال العام للمجتمع. كان للقطاع العام الحق، كل الحق، في استغلال هذه الثروة؛ لتطوير وسائل، وأنظمة التعليم العالي في القطاع العام، بفتح مجال استثنائي للتعليم الحر الموازي، خاصة، وما تتمتع به جامعاتنا الحكومية، من توفر الامكانيات، ومساحات شاسعة؛ قادرة لاستيعاب كافة الطلاب الخريجين، بمختلف معدلاتهم. ليحدد التعليم المجاني، للطلاب الحاصلين على معدلات لا تقل عن (75)%، بينما يستوعب التعليم الموازي كافة الناجحين لما هو أدنى من هذه النسبة، وبرسوم أقل، ومعايير أفضل. وقد بلغ عدد الجامعات الخاصة (40) جامعة، بمعدل استيعاب (70000) طالب، محققا دخل يفوق، السبعين مليون دولار سنويا، وهو ما يكفي لتحقيق الإكتفاء الذاتي في تمويل التعليم الجامعي، واستنزافه للموازنة العامة.
ما يقلقنا أكثر هي ظاهرة التعليم الخاص بالمدارس الأساسية، والثانوية، وأثرها السلبي على التعليم الإجباري، والمجاني، في القطاع العام، برغم مخالفته لمبادئ الثورة اليمنية الهادفة إلى إزالة الفوارق الطبقية. فلا يتمتع، أو يتميز، بالمعايير، أو يتفوق في الجودة التي يقدمها التعليم العام. بل على العكس تماما، فدائما، نجد المتفوقين، والعشرة الأوائل في الجمهورية، من طلبة المدارس الحكومية. في الوقت الذي تستنزف هذه المدارس، ثلاثة عشر مليار ريال سنويا، من جيوب المال العام للمجتمع.
بإمكان ذلك المبلغ، أن يساهم في تغطية العجز الناتج عن تنكر، وتبرؤ، الحكومة في تمويل القطاع التعليمي العام، الذي يتعرض تدريجيا للخصخصة، وإلحاقه كنظيره القطاع الصحي، بالأسلوب ذاته.
وقد بدأ القطاع الصحي العام، بطلب مبالغ رمزية مقابل الخدمة، - شيئا، فشيئا - حتى أصبحت الرسوم في المستشفيات الحكومية، توازي (تقريبا) رسوم القطاع الخاص. وتخلت الدولة تماما عن واجبها في تقديبم الرعاية الصحية للمجتمع.
وتعد الرسوم الإجبارية المفروضة على طلاب القطاع العام؛ إعلان صريح، لتنكر الدولة عن واجبها في تقدبم الخدمة التعليمية المجانية للمجتمع.
فلماذا نصر على دفع (ألف ريال!؟)، من المواطن البائس المعدم، الذي قد يتخلى (بسبب عجزه، دفع المبلغ) عن تعليم أطفاله!؟، بينما نترك من يستطيع أن يدفع (مائة ألف ريال!؟) تذهب هدرا إلى جيب استغلالي فاسد!؟.
ليست المسألة، مسألة، عجز مالي؛ بقدر ما هو عجز فكري، وأخلاقي، تظافرت عليه الأسباب في عجز كامل للإدارة، والإرادة الحرة، وتخل تام عن القيم، والمبادئ، وتنصل وقح عن الواجب. فالتعليم هو الجبهة الرئيسية الأولى؛ التي من خلالها يكتب لأمتنا النصر، أو الهزيمة.
أيا كانت هوية من يحارب التعليم، ويعمل على فساده؛ فإنه العدو الرئيس، والغازي الأول: للوطن، وللثورة، وللإنسان.
حكموا عقولكم (ي...)، ولا تجعلوا المصالح الشخصية، تسمو على مصالح الشعب، وتطغى على المصلحة الوطنية.
معا لإعادة بناء الوطن؛ أرضا، وانسانا.
إضافة تعليق