عملُ المرأة في اليمن تحدياتٌ كثيرة فاقمتها الحرب

منذ الصباح الباكر تبدأ صفاء حبيب بتجهيز وجبات الطعام المختلفة في مطعمها البسيط بالعاصمة صنعاء. صفاء ذات الثمانية والعشرين عاما تخرّجت من كلية الإعلام بجامعة صنعاء، وعملت في مجال تخصّصها لسنوات، لكنها اتجهت نحو هوايتها المفضلة: الطبخ، وصيّرتها مهنةً تكسب منها رزقها، كما أنها تسعد كثيرا لاستمتاع الزبائن بمذاق طعامها. لصفاء مطعمها "السَّفَري" (الطلبات الخارجية) بصنعاء الذي أسسته عام 2019، وتعمل برفقة خمس فتيات أُخَر في تقديم وجبات محلية وشرقية وغربية. تروّج صفاء لوجباتها على مواقع التواصل الاجتماعي، وتعمل على توصيل الطلبات إلى المنازل والمحالّ التجارية والمكاتب من خلال موزعين يعملون لصالح محلّها الذي أطلقت عليه اسم "هاي لانش". في أثناء عملها في الإعلام لم تعاني من التنمّر؛ إذ كانت تتعامل مع فئة مثقّفة، وذلك بخلاف عملها في المطعم الذي واجهت فيه كثيرا من التنمر والانتقاد. تقول: "خلال عملي في الإعلام لم أواجه أي تنمر بالعكس كانت ردة الفعل إيجابية، لكن في المطبخ واجهتُ كثيرا من التنمّر؛ لأني اخترت الطبخ بدلا عن تخصّصي الجامعي". تتابع صفاء حديثها: "يسير عملي بشكل جيد والحمد لله، ولا يوجد مضايقات، إلا أن أوضاع البلاد وارتفاع الأسعار وعدم توفر الغاز المنزلي هي المشكلات التي نواجهها". وترى صفاء أن نسبة عمل المرأة في اليمن متدنٍية، وهو في الوقت نفسه متعب نظرًا لما تواجهه من تحديات أفرزتها العادات والتقاليد. وتحلم صفاء بأن توسع نطاق عملها، وأن يكون لها عدد من المطاعم في العاصمة صنعاء والمحافظات الأخرى. صعوبات جمّة تواجه المرأة أهمها تفشي الجهل، وعدم حصول المرأة على التعليم وخصوصا المرأة الريفية؛ اذ تفتقر للمؤهلات التي يحتاجها سوق العمل، كما تقول الكاتبة اليمنية والناشطة في حقوق المرأة نور محمد باعباد. وتشير إلى أن المرأة يقتصر عملها على تلبية رغبة الزوج والقيام بالواجبات المنزلية في توفير الماء والقيام بأعمال الحقل. وتلفت إلى أن التعليم الفني والمهني لا يستهدف المرأة، مثل دورات القبالة (رعاية الحامل وتوليدها)، وهي وظيفة نسائية تخدم المجتمع وتقلل من نسب الوفيات. وقالت باعباد: إن هناك ضغوطا تواجه عمل المرأة، أهمها محدودية فرص العمل ومحدودية تأهيلها لسوق العمل، والواقع الاجتماعي الذي يعيقها؛ إذ إنّ هناك كثيرا من المهن التي يرى المجتمع أنها تقتصر على الرجال فقط، مثل العمل التقني في إصلاح الجوالات وتزويده بالبرمجيات، ورغم ذلك اقتحمت بعض النساء هذا المجال. وبحسب حديث الكاتبة نور باعباد لموقع "السلام"، توجّه كثير من النساء إلى سوق العمل لتلبية احتياجات السوق مثل العمل في الخياطة وتصوير الأعراس وعمل المُعجّنات وعدد من المهن الأخرى لتوفير التأهيل وعربات لنقل المنتجات. ويمكن لهذه المهن وغيرها أن تتطور إذا ما توفر الدعم والتدريب والتأهيل لأعداد كبيرة من النساء، لكي يظهر جيل من النساء يعتمدن على أنفسهن ماليا، ويتمكنّ من مساعدة أسرهن في ظلّ ما تعيشه البلاد من أوضاع اقتصادية متردّية جراء الحرب، وحتى تكون المرأة معلمة وطبيبة وممرضة وقابلة، كما تقول باعباد. وأكّدت باعباد أن المرأة اليمنية يمكنها أن تتجاوز هذا الصعوبات والضغوطات بتشجيع المجتمع وأسرتها وبدعم من السلطة المحلية في توفير المراكز التدريبية والتأهيلية وأيضا بدعم من منظمات المجتمع المدني والقطاع الخاص في تقديم الدورات التدريبية والورش التعليمية. ونتيجةً للصراع الذي تشهده البلاد منذ ست سنوات فقدت كثير من النساء أعمالهن ومشاريعهن العائلية التي تأسست قبل الحرب، ناهيك عن توقّف المرتبات وفصل كثير من الشركات للنساء الموظفات بسبب تردي الأوضاع الاقتصادية وانهيار العملة المحلية، ناهيك عن النزوح المتواصل والدمار الذي لحق بكثير من المدن اليمنية. وفي المقابل دفعت الحرب مزيدًا من النساء إلى العمل في عدد من المهن، بسبب فقدان مصدر الدخل أو فقدان الأسرة لمعيلها من الرجال. ولا تتوفر بيانات حالية عن نسبة عمل المرأة في اليمن التي يسيطر الذكور فيها على سوق العمل، ووفق تقديرات سابقة لمنظمة العمل الدولية في 2013 - 2014، فقد شاركت 6% فقط من النساء في القوى العاملة، بينما كانت 7% فقط من الوظائف تشغلها النساء. تحدّيات كثيرة واجهت الصحفية والإعلامية علياء الحماطي التي تخرّجت من كلية الإعلام بجامعة صنعاء قسم الإذاعة والتلفزيون، وعملت في عدد من الإذاعات والمواقع الصحفية، وهي مهتمة بقضايا الطفل والمرأة والقصص الانسانية. تقول علياء: "التحديات التي واجهتني تمثلت في توقفي عن العمل فترة بسبب الأوضاع وانتقالي إلى محافظة أخرى للعمل. وقتها شعرت أني أبدأ من جديد، ولكن لم يمنعني ذلك من الاستمرار. بدأت من الصفر حتى استعدت قاعدتي الجماهيرية وأثبتُّ وجودي". كانت علياء تحلم أن تقدم برنامجا تلفزيونيا، ولكن بسبب بعض السياسات المفروضة على وسائل الإعلام وتوجهات بعض القنوات لم تستطع تحقيق حلمها، رغم ذلك لم تستسلم ووجدت نفسها في مكان آخر، وهي الكتابة في الصحف الورقية والمواقع الإلكترونية. وفي ظلّ القيود التي تفرضها كثير من الأسر، كانت أسرة علياء تقدم لها جميع الدعم في مسيرتها الدراسية والعملية، وما زالت تقف إلى جانبها بشكل دائم. وبخصوص التحديات المجتمعية، ترى علياء أنها تحديات تتعرض لها كل امرأة عاملة، وهي نظرة بعض أفراد المجتمع اليمني للمرأة بنظرة دونية أنها أقل من الرجل وغيرها من الأفكار المتخلّفة. وتطمح علياء أن تعمل في بيئة أكثر حريّة ومساواة وفي أوضاع أكثر أمانا وسلامة حتى تمارس العمل الإعلامي من دون قيود. تم إنتاج هذه المادة ضمن مشروع غرفة أخبار الجندر الذي ينفذه مركز الإعلام الثقافي

إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص