تقع الأهرامات؟ إذا طرحت هذا السؤال على الناس في الشارع فربما تتوقع أن تكون إجابة كثير منهم أن الأهرامات تقع في مصر.
لكن في الحقيقة، الإجابة ليست بديهية بهذه الصورة، فهناك الكثير من الأهرامات في أرجاء شتى من العالم.
والجديد أن هذا الموضوع كان مثارا لجدل وصل لتراشق إعلامي بين مصر والسودان خلال الأيام القليلة الماضية، وذلك في أعقاب زيارة والدة أمير قطر، الشيخة موزا بنت ناصر، لأهرامات منطقة مروي التاريخية شمال السودان.
وأثارت صور الزيارة، التي كانت الأولى من نوعها للسودان، ردود فعل غاضبة من إعلاميين مصريين، خاصة بعد تصريحات لوزير الإعلام السوداني، أحمد بلال، أشار فيها إلى أن الأهرامات السودانية أقدم من المصرية بألفي عام.
وجاءت زيارة الشيخة موزا لتفقد مشروع لترميم وتنمية الآثار السودانية، بدأ باتفاق وقعته الدوحة والخرطوم عام 2013، بتكلفة 135 مليون دولار.
ويمول المشروع 41 بعثة أثرية من عشر جنسيات سودانية وأوربية وأمريكية وكندية، تقوم بأعمال المسح الأثري للتنقيب عن مواقع أثرية جديدة، وصيانة وترميم الآثار المكتشفة، وتزويد مواقعها بالخدمات الأساسية.
"آثار مختلفة"
نفى رئيس القسم الثقافي بجريدة الشرق القطرية، صالح غريب، أن يستهدف مشروع الترميم إلحاق أي إضرار بالتدفق السياحي إلى مصر، موضحا أن "هذه دولة مختلفة وآثار مختلفة".
وأضاف "كنا أن نتمنى أن تتبنى مصر مثل هذا المشروع بحكم ما لديها من خبرة في مجال ترميم وتطوير المناطق الأثرية القديمة، وجذب السائحين إلى الأهرامات. لقد استعانت قطر بخبراتها السابقة في مجال إنشاء المتاحف الإسلامية والحديثة لمساعدة الشقيقة السودان، وترى أن هذا من واجبها."
وفي هذا الشأن، يقول عضو لجنة الشؤون الأفريقية في مجلس النواب المصري، حاتم باشات، إن مصر "طالما رحبت بالتعاون مع الجانب السوداني، وهذا أمر ليس بالجديد، وأكد عليه الرئيس المصري في أكثر من مناسبة".
وأضاف: "لا أدري إن كان السودان طلب من مصر التعاون في مضمار ترميم الآثار، لكن مصر تبادر بالتعاون في مجالات شتى. من الممكن أن يكون هناك تبادلا سياحيا بين البلدين، كأن تسافر الأفواج السياحية القادمة إلى مصر إلى السودان أيضا. إن هذا أمر من مصلحتنا."
"تراكمات"
لكن باشات، الذي شغل منصب القنصل العام لمصر في الخرطوم سابقا، استغرب تصدي مسؤولين سودانيين للرد على تعليقات أثارها إعلاميون في قنوات خاصة مصرية غير حكومية.
وأوضح "إن هذا يشير إلى وجود تراكمات من غير المفترض أن تكون موجودة بين مصر والسودان، خاصة من جانب وزير الإعلام السوداني." واستطرد: "لا يجب أن ننسى أن السودان ومصر كانا بلدا واحدا".
من جانبه، قال الدكتور ربيع عبد العاطي، القيادي في حزب المؤتمر السوداني الحاكم، إن ما بُث في الإعلام المصري الخاص "كان موغلا في عدم المهنية، إن هذا يسيء للعلاقة بين مصر والسودان وللشعبين".
ودافع عبدالعاطي عن تصريحات الوزير السوداني أحمد بلال بشأن تاريخ بناء الأهرامات السودانية، مشيرا إلى أن "هذا ليس مجرد تصريح، لكنها حقائق تاريخية بشأن الحضارة النوبية. والتاريخ كذلك يشير إلى أن الدولة المروية قامت في السودان، وحكمت حتى شمال سوريا."
أهرامات النوبة
وتختلف أبعاد الأهرامات التي بُنيت شمالي السودان ضمن الحضارة النوبية بشكل ملحوظ عن أهرامات الجيزة. فأهرامات مروي أصغر كثيرا من حيث الحجم، إذ قد يصل عرض قاعدة أحدها إلى ثمانية أمتار، وتتراوح ارتفاعاتها بين ستة أمتار وثلاثين مترا. وهو ما يجعلها مختلفة تماما من حيث الشكل عن الأهرامات الفرعونية، إذ تبلغ زاوية انحدارها 70 درجة تقريبا.
وأوضح غونتر دراير، البروفيسور بالمعهد الألماني للآثار، لـ بي بي سي أن أهرامات مروي قلدت آخر الأهرامات التي بُنيت خلال المملكة الحديثة في مصر القديمة، التي كانت تتميز بالصغر وشدة الانحدار.
وأضاف: "الأهرامات المبنية بهذا الشكل (الصغر وشدة الانحدار) بُنيت كمقابر لفراعنة الأسرة الخامسة والعشرين، ولهذا فإنها بُنيت بعد نحو ألف عام" من بناء أهرامات الجيزة المعروفة.
كما قال دراير إن هناك العديد من البنايات الأثرية على الشكل الهرمي في أرجاء العالم، "قد لا يجمع بين هذه البنايات شيء سوى فكرة أن يكون البناء شاهقا للاقتراب من الإله في السماء، هكذا كان الناس يفكرون. البعض من هذه البنايات كان يُستغل كمعابد، والبعض الآخر كان مقابر كما هو الحال بالنسبة لأهرامات مصر والنوبة."
"رفض التجاوزات"
على المستوى الرسمي، بدا وزيرا الخارجية في مصر والسودان راغبين في إنهاء حالة التراشق الإعلامي المتصاعدة.
وقال بيان صادر عن وزارة الخارجية المصرية إن الوزير سامح شكري اتفق مع نظيره السوداني، إبراهيم غندور، خلال اتصال هاتفي على رفض "التجاوزات غير المقبولة لأي من الدولتين أو الشعبين الشقيقين،" وضرورة التعامل بحكمة مع "التعامل غير المسؤول من جانب بعض مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي والوسائط الإعلامية".
كما اتفق الوزيران على أن تكون الخرطوم هي مقر جولة التشاور السياسي القادمة، والمقرر عقدها خلال أسابيع.