لاحظ الكاتب ألكسندر أرتامونوف في مقال له على موقع "برافدا.رو" أن الزعماء الأمريكيين غالبا ما يدلون بتصريحات تظهر جهلهم الفاضح بما يتحدثون عنه.
جاء في المقال:
بعد حديثه مع رئيس دولة كوريا الجنوبية الحليفة لبلاده، كتب الرئيس الأمريكي في مدونته على "تويتر" أن "الكوريين الشماليين يقفون في الطوابير أمام محطات البنزين".
ومن وجهة نظر الرئيس الأمريكي، فإن هذه الأوضاع غير المريحة، جاءت كنتيجة مباشرة للعقوبات التي فرضتها واشنطن على بلاد "رجل الصواريخ". كما بات دونالد ترامب يسمي الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون.
غير أنه، وعلى الرغم من النبرة الجدية، التي اتسم بها تصريح سيد البيت الأبيض، فإن مضمون تصريحه كان فقط مدعاة للابتسام في الأوساط الإعلامية الدولية.
إن دونالد ترامب يجهد عبر محاولات يائسة لترويج نفسه كشخصية كونية، لكنه لسوء حظه، تنتهي محاولاته كل مرة بوضع نفسه في مأزق محرج! إذ إن الاستدلال على تدهور اقتصاد كوريا الشمالية، باصطفاف السيارات في طوابير أمام محطات البنزين، لا يمكن أن يتوصل إليه سوى شخص جاهل تماما.
فعدد سكان كوريا الشمالية أكثر قليلا من 25 مليون نسمة، وعدد السيارات المسجلة في البلاد يتراوح ما بين 150 - 200 ألف سيارة. وهذه الدلائل الرقمية تكفي لتقييم "حجم الكارثة"، هذا من دون الأخذ بعين الاعتبار أن 90% من هذه السيارات هي ملك للدولة ومؤسساتها الحكومية، وأن ما يملكه القطاع الخاص لا تزيد نسبته عن 10% فقط.
بمعنى آخر، يمتلك سكان كل البلاد الكورية الشمالية 15 ألف سيارة خاصة فقط. ومن البديهي أنها غير قادرة على خلق طوابير على محطات البنزين، حتى لو أرادت فعل ذلك عن قصد.
وعلاوة على ذلك، فإن الجزء الأكبر من المركبات التي تملكها الدولة تسير على الحطب. ويقول الخبراء إن خزانا خاصا يثبَّت مباشرة في جسم الشاحنة، ويتم تحميله بالحطب الذي يتحول إلى فحم بعد احتراقه، وبالتالي يطلق أول أكسيد الكربون والهيدرجين إلى داخل اسطوانة الاحتراق في محرك الديزل للشاحنة. هذه الشاحنات تعمل على نقل البضائع والناس من موانئ البلاد إلى المناطق الجبلية.
وليس مفهوما المغزى الذي يرمي إليه ترامب هنا. ففي البلد المحكوم بشكل سلطوي، ويغيب فيه مفهوم القطاع الخاص للسيارات، من الصعب أن نتصور ظهور استياء جماهيري بسبب نقص الوقود. إذ إن الكوريين الشماليين لم يعربوا عن مواقف سلبية تجاه حكومتهم حتى عندما عانوا نقصا في الأرز. فهناك لا يوجد مكان للأعراف والتقاليد الأوروبية بخصوص مسألة الحياة والموت. والشعب الكوري لن يطلب الرحمة حتى لو بقي من دون خبزه كفاف يومه. وبعد ذلك كيف يمكن الحديث عن انقطاع البنزين، الذي لا يعني شيئا لـ 99% من الشعب، وفي ظل الغياب المطلق لأشكال المعارضة الداخلية كافة.
كما أنه ليس مفهوما الربط بين محاولة ترامب الحد من واردات الوقود الى كوريا الشمالية، وتخلي زعيمها كيم جونغ أون عن تجاربه الصاروخية، وخاصة أن هذه الصواريخ، كما هو معلوم، لا تطير اعتمادا على البنزين، بل على وقود "هيدرازين ثنائي الميثيل"، الذي تنتجه الجمهورية على الأرجح بشكل مستقل، بحسب تأكيد ممثل مدير الاستخبارات الوطنية الأمريكية تيموثي باريت لصحيفة "نيويورك تايمز".
وعلى ما يبدو، فإن العقل الديمقراطي لزعيم الولايات المتحدة لا يستطيع أن يتصور وجود بلد يعيش من دون مَركبات أو معارضة داخلية. أو ربما اختلط الأمر عليه الأمر بين كوريا الشمالية والجنوبية، وهو أمر شائع لدى سادة البيت الأبيض (ويكفينا أن نتذكر على الأقل سقطات بوش–الابن الجغرافية).
ولكنهم جميعا لا يستطيعون اللحاق بوزير الخارجية السابق جون كيري، الذي أنشأ بجرأة، في واحد من خطاباته، دولة جديدة في آسيا وهي قيرزاخستان(!) بعد أن دمج كازاخستان وقيرغيزستان في دولة واحدة.