لا تكاد عدن، العاصمة اليمنية المؤقتة، تهدأ قليلاً، حتى تضربها فوضى عارمة من جديد، تحت مسميات ويافطات شتى، وبمبررات عديدة.
لكن الأخطر من كل هذا، أن أجهزة أمن محسوبة على الحكومة الشرعية، يقودها مُعيّنون بقرارات جمهورية، بدأت حملة مداهمات على مقرات الأحزاب وأخرى تابعة للكتّاب بالمدينة، وألقت القبض على عدد من القيادات الحزبية المعروفة بوسطيتها في عدن، تحت ذريعة "مكافحة الارهاب".
هذه الحوادث تُعيد إلى الأذهان مسلسل التصفيات الذي شهدته المدينة، جنوبي البلاد، في عهدها الماضي، راح ضحيته أبرز قيادات الدولة الجنوبية "سابقاً"، إضافة إلى جملة من حوادث الاغتيالات أودت بحياة مسؤولين محليين وسياسيين وعلماء دين، دون أن تستطيع الأجهزة الأمنية التي تمارس نوعاً من "البلطجة" اليوم، أن تحيل ملفاً واحداً إلى القضاء، رغم الحديث المتكرر عن اعتقال متورطين في هذه الأحداث.
يتفق المحللون، الذي استطلع "يمن مونيتور" آراءهم أن ما يجري في عدن هو استهداف ممنهج لمظاهر الحياة المدنية، وعلى رأسها الأحزاب، لأن هناك جهات، بينها دولة الإمارات العربية المتحدة، وأطراف محلية تدعمها أبوظبي، ليس من مصلحتها استقرار عدن، بعد تحريرها من قبضة الحوثيين وحليفهم الرئيس السابق علي عبدالله صالح، منتصف يوليو/ تموز من العام 2015.
ويعتقد "أحمد ناصر حميدان"، وهو محلل سياسي وكاتب من أبناء مدينة عدن، أن "ما يحدث في عدن اليوم هو تجريف لأدوات التنمية السياسية، التي تؤسس لدولة المواطنة، دولة النظام والقانون والديمقراطية، هذه الدولة التي يعتقد الانفصاليون أنها تهد مشروعهم.
دور إماراتي سلبي
ويتهم "حميدان" الامارات صراحةً (ثاني دولة فاعلة في التحالف العربي) بالوقوف خلف هذه الفوضى ودعم رموزها، قائلاً: "الإمارات لا تريد للجنوب وعدن الاستقرار، تريد أن تبقى عدن تحت قبضتها مكبلة غير قادرة على استعادة مكانتها الاستراتيجية، حتى لا تنافس اقتصادياً وتجارياً كمنطقة حرة ومركز تجاري، خوفا على دبي وجبل علي". حد قوله
ويشاطره هذا الرأي الناشط الحقوقي "همدان العليي"، الذي يرى أن "دولاً ضمن التحالف العربي لا تتفهم ضرورة أن تستقر الأمور في عدن، بل تمارس دوراً سلبياً في تقويض سلطة الشرعية اليمنية ومنع الرئيس والمحافظ من الدخول إلى عدن".
وفي السياق ذاته، يرى "أحمد الزرقة"، وهو محلل سياسي ومدير عام قناة بلقيس (يمنية خاصة)، أن "الامارات سعت، منذ اللحظة الاولى، لحرف مسار عمليات التحالف العربي وايقاف الاندفاع السعودي في بداية الحرب باتجاه انهاء الانقلاب، وكل ذلك على حساب التزامات التحالف بوحدة اليمن وسلامة أراضيه واعادة الشرعية وانهاء الانقلاب وهي العناوين التي تدخل التحالف العربي في اليمن على ضوئها.
ووفقاً لـ"الزرقة"، فإن "الوجود الاماراتي في الجنوب خلق كيانات مشوهه لتفريغ محتوى القضية الجنوبية واستغلال حالة الاندفاع لدى بعض القوى المتحمسة في الشارع الجنوبي لما يسمى بحق تقرير المصير والعودة لما قبل مايو 1990م واشغال الرأي العام بالصراع المفضي إلى المزيد من الفوضى، وتهربا من الالتزامات المترتبة على تلك الوعود، والمتعلقة بإعادة اعمار ما دمرته الحرب وبناء مؤسسات الدولة وتوفير الخدمات العامة وضمان استمرار صرف المرتبات العامة". حد قوله
عدن.. نقطة ضعف الشرعية
ويصف "العليي" كيف استبشر الناس بتحرير عدن من المليشيات الحوثية وحليفها صالح، لكنه يقول:"تحررت عدن من مليشيا الحوثي، واعتقدنا أنها ستكون النموذج الأمثل الذي يعكس طموح الشرعية والمقاومة ويدفع المحافظات الاخرى لتحذو حذوها، لكن بالعكس باتت عدن هي نقطة الضعف التي تعاني منها الشرعية".
ولفت الناشط الحقوقي إلى أن "تقويض الشرعية ودعم الجماعات المسلحة خارج إطار الشرعية، سينعكس سلبياً، دون شك، على حياة المواطنين لأن الحكومة الشرعية لن تستطيع في هذا ظل غياب الرئيس والحكومة والمحافظ أن تقوم بدورها في خدمة المواطنين وتطبيع الحياة في المناطق المحررة".
وبطبيعة الحال، يواصل العليي حدديثه لـ"يمن مونيتور": لن تستطيع الشرعية ومن ورائها التحالف العربي تحرير العاصمة صنعاء ما لم تستتب الأمور في العاصمة المؤقتة عدن، بحيث تكون مسيطرة بشكل كامل على الحياة السياسية والمدنية ويشجع الناس على الالتفاف حول سلطة الرئيس هادي، وهذا يحتم على القوى السياسية أن تعمل جاهدة من أجل مصلحة الجنوب وعدن، ومن ثمّ اليمن عموماً والمنطقة كاملة.
ويضيف "حميدان" أن "لدى الامارات كابوس اسمه الاخوان المسلمين تحاول ربط الارهاب بهم، لذا وجد الانفصاليون ضالتهم، وقدموا أنفسهم باعتبارهم شركاء قادرين على محاربة "الإرهاب"، مقابل دعم الإمارات لمشروعهم في انفصال الجنوب".
لكنه استدرك بالقول: "هذا المشروع يتآكل من داخله، ويعاني انقساماً واضحاً، وتراجع الكثير من مناصريه ليقفوا مع الشرعية في مشروع الأقاليم والدولة الاتحادية؛ الشعور بانهيار مشروعهم دافعهم للتهور وهجمتهم الشرسة غير المبررة، وبدون عقل، على الإصلاح باعتباره أهم ركن من أركان الشرعية ومشروع الدولة الاتحادية".
ويضيف، "ما يحدث اليوم من زوبعة هو مجرد هروب وتغطية على الفشل الأمني الذي يضرب أجهزة الأمن في المدينة، فيما الناس تنتظر نتائج التحقيقات مع متهمين بارتكاب جرائم قتل واغتيالات كانت هذه الأجهزة قد أعلنت القبض عليهم في أوقات متفرقة.
الزرقة يرى أن ما يحدث في عدن هو محاولة لخلط الاوراق واذكاء الصراع بين كافة الفرقاء اليمنيين كجزء من مخطط تقوده الامارات العربية للاستحواذ والسيطرة على الجزء الجنوبي من اليمن وباب المندب والموانئ اليمنية لتقديم نفسها كقوة اقليمية ودولية صاعدة".
السعودية تتلقى اللوم
ويُحمّل "الزرقة" المملكة العربية السعودية المسؤولية، في المقام الأول، عن انحراف عمليات التحالف وخروجها عن أهدافها المعلنة وممارسات الامارات العدائية تجاه الشرعية اليمنية وتجاه كل ما من شأنه استعادة الحياة وتطبيعها ودعم وجود الشرعية ممثلة بالرئيس هادي ونائبه والحكومة الشرعية.
ويختم بالقول: "تشتت الأهداف لأطراف التحالف العربي تضعف قوته في مواجهة العدو الحقيقي (الانقلاب)، وسيكتشف الجميع أن اليمن تسربت مرة اخرى لأحضان الفوضى وأن الخطر الايراني مازال فاتحا فكيه لالتهام اليمن وما بعد اليمن.
نقلا عن يمن مونتيور