لسلة تاريخ اليمن من البداية الي النهايه الحلقة الثانيه 🌨الإسلام يدخل اليمن ولا ريبَ أن إسلام اليمنيين لم يأتِ بين عشية وضحاها؛ فلم يكن يخفى عليهم أمر البعثة النبوية (610م)، وذلك من خلال الرحلات التِّجارية التي كانت بين قريش واليمن، وما تلاها من دعوة سرية وجهرية، ثم مخاطبة الرسول صلى الله عليه وسلم الوافدين من القبائل المجاورة، وبعد ذلك هجرة بعض المسلمين إلى الحبشة، ثم إلى المدينة وبداية تكوين الدولة الإسلامية، والتي ظهرت مكانتها الخاصَّة بعد غزوة بدر الكبرى (2هـ/ 623م)، لتُهَدِّد بعد ذلك دولة الروم في دومة الجندل (5هـ/ 626م)، وتتوسَّع فيما حولها على حساب يهود بني قَيْنُقَاع وبني النضير وبني قُرَيْظة، ثم تُقِرُّ سلطانها بعد صلح الحديبية (6هـ/ 627م) أمام زعيمة الجاهلية العربية قريش، فكان لكل هذه الأحداث المتلاحقة أثر كبير في أهل اليمن، فجاء تأثُّرهم بالإيجاب في ذلك إما رغبة أو رهبة. وقد كانت اليمن في تلك الأثناء منقسمة بين قوى قَبَلية هي: حمير، وحضرموت، وكندة، وهَمْدان، وبين حُكْمٍ فارسي في صنعاء وعدن وما حولها، وبين جَيْبٍ في نجران للنفوذ الروماني الحبشي، وهو الجَيْب الذي كان فيه نصارى نجران هناك. والحقيقة أن إسلام أهل اليمن لم يأتِ دَفْعة واحدة أو في زمن واحد أو بوسيلة واحدة، وإنما كان لكلٍّ قوَّة، ولكلِّ قبيلة في اليمن أسلوب انتهجه واتبعه معها رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ وكانت المقدِّمة حينما أسلم أفراد من قبائلَ مختلفة -كأبي موسى الأشعريِّ في الأشاعرة، والطفيل بن عمرو في دَوْس، وقيس بن نمط الهَمْدَاني في هَمْدَان- فأخذوا يَنْشَطون للدَّعوة في قبائلهم9. أما بالنسبة إلى الأبناء10، فإن الرسول صلى الله عليه وسلم بعث رسالة إلى باذان -حاكم اليمن من قِبَلِ الفُرس- دعاه فيها إلى الإسلام، فاستجاب باذان لدعوة الإسلام، وتَبِعَه في ذلك أتباعه11، وقد أقرَّه الرسول صلى الله عليه وسلم على اليمن، فلم يزل عاملاً عليها حتى مات12. ⚡️نصارى نجران وأما نصارى نجران، فإن وَفْدَهم قَدِمَ المدينة ولم يكن مقصودهم الإسلام، وإنما الجدال والمفاخرة والملاعنة، وذلك بعد عرض الإسلام عليهم ومناقشتهم للرسول صلى الله عليه وسلم، ولمَّا أخلفوا موعدهم في ذلك خيَّرهم الرسول صلى الله عليه وسلم بين الجزية والقتال، فرفضوا القتال، ورفضوا أيضًا (صورة الجزية)، ولكنهم قَبِلُوا أن يَفْرض عليهم شيئًا من المال كلَّ عام، عُرِف بمال الصلح، واشترط عليهم شروطًا أَدْرَج ضمنها يهود نجران13. وأما قبيلة حمير، أعظم القوى القَبَلِية في اليمن وأعرقها، وصاحبة السيادة في تاريخ اليمن قبل الإسلام، فقد أرسل إليهم الرسول صلى الله عليه وسلم أكثر من رسول، كان أوَّلهم المهاجر بن أبي أمية في السنة السابعة، وقد جاء بالبشرى بإسلام ملوك حمير مالك بن مرارة الرَّهَاوي، الذي أُرسل في السنة التاسعة للهجرة أو أواخر الثامنة14، وقد بعث الرسول صلى الله عليه وسلم مُعَاذ بن جبل إلى اليمن في أواخر السنة التاسعة للهجرة؛ ليتولَّى ليس القيادة الإدارية للمنطقة الجبلية كلها الممتدة من نجران شمالاً حتى عدن جنوبًا، وليس قبيلة حمير وحدها، وإنما لتكون جزءًا من وَحْدَة إدارية كبيرة عُرِفت بالمِخْلاَف الأعلى15. وبمثل ذلك جاءت وفود بقيَّة القبائل، مثل: كِنْدَة، وإقليم حضرموت، وتِهَامة اليمن16. ✔️كيف دخل اليمنيون الإسلام؟ وإذا كان إسلام هذه القوى وتلك القبائل قد أخذ الطابع السِّلْميَّ، عن طريق استجابتهم لدعوة الإسلام دون حرب أو قتال، فقد انتهجت الدولة الإسلامية كذلك أسلوب البعوث والسرايا تجاه بعض القبائل اليمنية الأخرى التي لم تستجب لدعوة الإسلام، كان منها تلك التي أُرْسِلَت إلى قبيلة (دَوْس) بقيادة الطفيل بن عمرو على إِثْر غزوة حُنَيْن وقبل حصار الطائف17. وعلى هذا فإن مجموع أهل اليمن يكون قد دخل الإسلام بين العام السادس للهجرة وعام الوفود في السنة العاشرة، وذلك باستثناء نصارى نجران18، وذلك إما عن رغبة في الدين الجديد، وإما رهبة من قوَّة المسلمين الجديدة النامية في المدينة، وقد جاء ذلك بطريقتين، الأولى: دَعَوِيَّة سلمية تَجَاوَبَ معها اليمنيُّون، وكانت في معظم جهات اليمن. والثانية: هي طريقة السرايا والبعوث العسكرية، وكان ذلك في الجهات الشمالية من تِهَامة، وتلك التي يقطنها البدو غير المستقرِّين. انتظرو بقية السلسلة